“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
منطقيًا، مشروع إحياء جماعة 14 آذار غير قابلٍ للتطبيقِ. الولايات المتحدة تعلم ذلك والسعودية ايضًا وفرنسا ومصر مع لفيفٍ عريضٍ من جهابذةِ الفكر من اللبنانيين، لكن بعض رجال الأعمال من “المرفوضين” داخل “عِيَلهم” المتورطين في إخراج الحَراكِ عن مسارهِ يرفضون تقبّل الواقع، وبالقوة يريدون بعث حياةٍ في جسدٍ ميّتٍ!
المشكلة تكمن في أنّ الفكرة ما زالت تستوطن وتُعشعش في عقول بعض الاشخاص ومنهم من لا يزال يراهن على إمكان تحويل ما بقيَ من 14 آذار إلى لوبي أقرب إلى اداةٍ يمكن استثمارها في ممارسة عمليات الضغطِ أو زيادة منسوبها، بالتالي، يمكن إستغلال تلك الحالة الناشئة، إما لتحقيق هدفٍ سياسيٍّ مُعين بعيد المدى، أو من أجل الاستفادة بممارسةِ الضغطِ المرحلي فقط..
بالتالي، يمكن القول، أنّ مشروعَ إعادة تكوين نواة 14 آذار التي استفاق عليها ثلة من السياسيين قبل أيامٍ، يصلح وضعها في إطار محاولة الاستغلال السياسي المرحلي المستخدم في عملية تشويه صورة العهد أو الانقضاض عليه. والمعنى، أنه ما دامت العدة جاهزة و”الصفارة” موجودة، لما لا تجري عملية الاستفادة في هذه المرحلة التي يجتاح فيها الركود السياسي عقول تلك الفئة؟
هذا بالضبط ما يُمكن إقتباسه من كلامِ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الرجل الذي أخذته همومه في السابق إلى مكانٍ آخر.
في ما سبق، بدا متفرغًا لكيفية “شحذ” همم التوريث المتآكلة على “كسل” تيمور وما هو الطريق الاسلم لدق مساميره وإجراء محاولةٍ أخيرةٍ لـ”شدِّ عوده”، إلى أن استيقظَ على ظرفٍ سياسيٍّ ربما لا ينفعه في تمكين عود ولده، لكنه ينفع في مكانٍ ما بكبح “فورة الغضب” التي تعتري أنصاره من جراء السياسات المتبعة في الفترة الاخيرة… وطبعًا إستفزازات رجالات العهد.
وليد جنبلاط رجل يعرف جيدًا من أين تؤكل الكتف. له باع طويل في التقاط الذبذبات. وجد أن ثمة الكثير من الموجات التي تسبح في الفضاء، فعمل على جردها ليعثر من بينها على مشروعٍ يجري العمل على تلزيمه إلى الحَراكِ بالتعاون مع بعض رجالات “الخفاء” تحت عنوان الدفع باتجاه إنتخابات نيابية مبكرة وإستقالة رئيس الجمهورية.
هذا الكلام حقيقي، جرت ترفعته إلى مستوى معلومات مؤكدة حضرت خلال الأسابيع الماضية على طاولة أكثر من مرجعٍ سياسيٍّ، بعدما جرى العثور على مؤشراتٍ يُفهَم منها وجود اتجاهٍ واضحٍ نحو حرفِ الوضعية اللبنانية عن مسارها السلمي مقابل الخوض في مجالاتٍ أكثر عنفًا يجري تحميل الشارع المنتفض أوزارها وتكلفتها ايضًا.. أما الاستثمار السياسي فليس من صالحهم!
في الحقيقية، إنّ العهدَ أدركَ المخطط التحضيري للانقلاب عليه قبل أسابيعٍ حين بدأ يتلمّس التغييرات والتبدلات على صعيدِ الموقفِ منه وطريقة التعامل معه وكيفية تحرك الشارع ضده على وقع التبدلات في الكفةِ السياسيةِ فسارع للتلميح إلى وجودِ شيءٍ ما يحضَّر ضده من بابِ الانقلاب عليه.
المشكلة التي وقع فيها “العهد” ويقع بها دومًا، كمنت في طريقة مقاربته السياسية للتهديد وتناوله بنوعٍ من الخفة السياسية التي أتاحت للمناوئين له سحب عناصر القوة منه وتحويلها إلى “أفكار سمجة” يصلح ترقيعها تحت خانةِ “نظرية المؤامرة”.. إلى أن قرّرَ وليد جنبلاط إعادة تعويم “العهد” بقراره إخراج “الصفقةِ” إلى النورِ!
جنبلاط يعلم جيدًا أنّ عقاربَ الساعة لا يمكن أن تعودَ إلى الوراءِ. اصلاً، هو قد تركَ فكرة إحياء 14 آذار بمعناها العادي المعلوم لا بل غادرها، والصحيح أنه ترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات استغلالها متى وجد الظرف مناسبًا لكن ضمن صيغة “أكثر حداثة” لا تفرض عليه إلتزام التحالف ضمن معاييرٍ ثابتةٍ لا يمكن الخروج منها أو تلزمه في تبني أفكار أو لا تتيح له المناورة.
والمشكلة، أنّ “حظ البيك بيفلق الصخر”. ذلك كلّه، بدأ يتكوَّن على مسافةٍ قصيرةٍ بين “انقلاب” سعد الحريري على “التسوية” وقرب موعدِ إحياءِ ذكرى إغتيال والده، ما يعني أنّ الظرفَ مناسبٌ لتوريطِ الحريري وتيار المستقبل بمشروعِ هجومٍ على العهد في أسلوبٍ مستوحى من نموذج 2006 – 2007 حين جرى تلزيم الحملة على الرئيس إميل لحود إلى الحريري فإستفادَ منها الجميع إلا هو!
وجنبلاط بصفته يمثل الفكر العميق، يجد في اعادة استنهاض الحريري و”دفشه” مقابل العهد قبولاً سياسيًا طالما أنه سيذر عليه فوائد سياسية من خلف “دس” غيره في الواجهة ما دام هذا الغير هو محصّنٌ بالعنصر الطائفي.
يقوم منهج جنبلاط الحالي، الذي بدأ مشروع تسويقه، على دعواتٍ لإسقاطِ العهدِ تحت إسم منتج “اصطفاف وطني” يريده إستنساخًا لتجاربٍ سابقةٍ راسخة منذ ما قبل الطائف ويريد تجيير روحية 14 آذار فيها. طبعًا، هذا ليس مشروع جنبلاط وحده، بل صديقه سمير جعجع ضالع فيه منذ أن شرعَ بركوب موجهة الحَراكِ حين أعلن إستقالته من الحكومة، وبالتالي الاثنان ينفذان قرارًا بالتصعيدِ السياسي ربطًا بتوفير أجواءِ حملةِ مطالبةٍ باستقالة رئيس الجمهورية.
على الطرفِ المقابل، ثمة وعي إلى وجودِ مخططٍ للانقلاب على العهدِ يعتبر هذا الطرف أنه ساهم في انكشافه في مهده وتسريبه إلى النور ما أتاحَ افتقاده لعنصر المفاجأة وأجبر القائمين عليه على البدء بتبنيه أو الإعلان عن بعض فصوله.
ومع بقاء وتيرة التصعيد مع العهد لاضعافهِ أصبح الثابت لدى هذا الطرف، أن محاولة دفع ميشال عون نحو الاستقالة لن تمر وستسقط كما سقطت محاولة إخراج اميل لحود من قصر بعبدا، وهو يرتكز إلى عوامل داخلية وخارجية عدة من بينها موقف الفاتيكان وكذلك الكنيسة ووجود “حلفٍ عريضٍ” يتموضع خلف “جنرال بعبدا” محوره حزب الله.
من الواضح، أن التيار الوطني الحر مع حلفائهِ لن يتساهلون مطلقًا في التصدي لأيّ محاولةٍ للمساس برئاسة الجمهورية لما تمثله لهم من تفسيرٍ صريحٍ موقعهم ضمن المعادلة وبالطبع يعني إستهداف العهد بالنسبة إليهم إستهدافًا لموقعهم ومكتسباتهم المجنية بعرق الجبين.. والزنود السياسية!
إنطلاقًا من الواقعية السياسية تلك، بدأ يحضر هذا الفريق تصوره تجاه ما يمكن أن يحدث وما هو الدور الذي سيوكل إليه عند بلوغ مرحلة الدفع بإتجاه “إسقاط عون بالقوة”، مع العلم أن القوى الأمنية والعسكرية وضعت في صورة التحرك في حال حدوث أي محاولة للإخلال بالأمن أو إحداث خللٍ ولو بصيغةٍ مختلفةٍ على أن يسلكَ طريقه نحو التنفيذ متى أصبح ناضجًا.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2w8Sfl1
via IFTTT
0 comments: