Friday, February 28, 2020

القضاء… عَ السكّين يا بطيخ!

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

في غمرةِ الحديثِ عن موضوعِ التشكيلات القضائية، فضَّل مرجعٌ قضائيٌّ في حديثهِ الى “ليبانون ديبايت” استذكار مرحلة الرئيس اللواء فؤاد شهاب الذي أرسى ثقافة دولة المؤسسات بعيدًا من التابعيّة معتمدًا لغة تعديل القوانين لا الأشخاص فقط.

وفي السياق، استنكرَ تحوّل بعض المحامين إلى “دعاةِ شغبٍ” من خلال إجراء أكثر من محاولةٍ ترمي إلى التدخل بالتشكيلات القضائية بطريقةٍ “فجّة”!

لا يُخفي المرجع، أنّ وراء المحامين “ماكينات مشغلة”، على الأرجح قضائية العرق، مهمتها تعويم بعض الأسماء لقاء إسقاطِ أخرى. مسألة صراعٍ داخل الصرحِ القانوني لا أكثر، والغرابة، أنّ البعض من رجالات القانون جعلوا من انفسهم مطية لهؤلاء. وفي لعبةِ المبارزة بين من هو محامٍ وقاضٍ يعد القضاء الخاسر الأول!

يشبّه المرجع ما نشهده الآن في غمرة المعركة حول التشكيلات القضائية بما كان يدور سياسيًا في أعقاب كلّ “جولةٍ تغييريّةٍ” مماثلة، حيث أنّ النهجَ لم يكن يتغيّر بعكس الأسماء. ومع انطواءِ زمن تدخلات السياسيين في القضاء بعد 17 تشرين افسحوا المجال أمام المحامين الذين يستنسخون على نحوٍ واضحٍ أساليب السياسيين في مسألة التعاطي مع التشكيلات القضائية، وهذا عاملٌ نافرٌ سيحوِّل القضاء إلى “سوق عكاظ”.

في تلك العهود الغابرة، كانت تدور المعارك القضائية بين السياسيين على الأسماء الأقرب والأشدّ “إستزلامًا” منهم، فكانت تكفي جلسة بين مرجعيات مشتبه بها بقضايا فسادٍ وهدرٍ للأموال العامة أن تزكّي هذا القاضي أو ذاك، حتى تغدو رؤوس القضاة أشبه بعمليّة تجارة البطيخ والحكم للسكين!

لا تغدو المشكلة في القضاء بحسب المرجع منحصرة فقط بالاسماء وتوزيعاتها، بل ترتبط بالنهج والقوانين والتركيبة والعقلية المُتَحَكِّمة بقسمٍ من القضاة، والتأثيرات السياسية وانتماءات البعض منهم الذين يبرزون في كثيرٍ من الاحيان أفضلية انتماءاتهم على ما عداها، وهذا ليس غريبًا على أبناء الوسط!

إذًا فإنّ الحل لـ”المعضلة القضائية” في لبنان وإعادة الاعتبار للمؤسسة وارشادها إلى الطريق الصحيح غير مرتبطٍ بتغييراتٍ على مستوى الاشخاص، وهذه المناقلات التي تجري دوريًا ومن ضمنها الورشة الجاري العمل عليها الآن، لا تعالج لبّ المشكلة أبدًا، بل هي اشبه بورشةِ تبديلِ مراكزٍ بأخرى من دون إفساحِ المجال أمام إدخال عقليّةٍ حديثة إلى النهج الذي ما زال يتربَّع على عرشٍ سابقٍ تهاوى ومرَّ عليه الزمن.

المطلوبُ بإختصارٍ كي نرتقي بالقضاء، إجراء تعديلاتٍ على القوانين الناظمة له وليس الأشخاص، فمن يحكم هو القانون وليس الفرد بل إنّ الاخير يطبّق ما يرد في النص ويجتهد به ليس إلّا، وهذه النصيحة اسداها سفير إحدى الدول الكبرى إلى مرجعٍ سياسيٍّ كبير التقى به قبل أيّامٍ، مستغربًا كيف أنّ بلدًا مثل لبنان يفضّل في الملف القضائي تبديل الأشخاص لا تصحيح القوانين!

لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول، أنه وفي ظلِّ غياب آلية الانتظام السياسي وارساء منطق الخلافات في البلد وتعويم كلّ ما هو حزبيٌّ – طائفيٌّ، يصبح من المستحيل على هكذا سلطة تشريع قوانين قضائية عصرية تؤدي غرض التقليل من تأثيراتِ المؤسسة السياسية داخل مؤسسة القضاء ما دام أنّ الأولى لها مصلحة في إرضاخِ الثانية واستتباعها.

من هنا، فإنّ الحل في مثل هكذا أوضاع هو اللجوء إلى إختياراتٍ قضائية ذات ثقل أو مطهرة من الشوائب أو التأثيرات السياسية في مواقعٍ قضائية محدَّدة وحسّاسة تعتبر الأساس على السلم القضائي، ألا وهي مراكز النائب العام التمييزي والمدعي العام المالي ورئيس التفتيش القضائي، وهي مراكزٌ محورية تدور في فلكها كافة النيابات العامة، وإدخال التغيير المثالي عليها له القدرة على تنقيةِ القضاء وضبطِ النيابات العامة الاخرى!

لكن وفي بلدٍ مثل لبنان، يُعد “الدق” بالمراكز الثلاث المقسمة طائفيًا وحزبيًا على منطق الستة وستة مكرّر من المحرّمات، لكن هل تصح هذه النظرة على حالتنا الراهنة بعد 17 تشرين؟!

يجيب المرجع القضائي على سؤال “ليبانون ديبايت”، أنّ المرحلة الحالية قد تتيح في جوانبٍ محددة منها ممارسة مزيدٍ من الضغط لمصلحةِ إنضاجِ حلولٍ قضائية ولو عينيّة محددة وظرفيّة تتيح تأمين ظروفِ التغيير اللاحق، وطبعًا بفعل تراجع التأثير السياسي في القضاء على نحوٍ ما كنتيجةٍ طبيعيةٍ ليس فقط لـ”الانتفاضة” بل للعين الدولية التي أصبحت تراقب سياسيي لبنان بدقة من جراء الازمة الاقتصادية – المالية.

ووفق رأيه، فإنّ هذا الجو يتيح تباشير تغييرات معينة إن صحَّ استخدام أوراق الضغط.

لكن المشكلة تكمن، في أنّ بعض من في السلطة السياسية خرج من اللبوس السياسي المتدخل في القضاء وتسلَّلَ إلى أثواب المحامين الذين يتكفلون اليوم من جراء “حرتقتهم” بإنتزاع ورقة تغيير قضائية مهمة ربما لن تتوفر مستقبلًا في حال بقاء السلطة السياسية بطبيعتها الحالية قائمة.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2wSkOna
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل