“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
يطوف الدنيا من مشرقها إلى مغربها سرًّا وعلانية بحثًا عن فسحةٍ من الراحةِ النفسيّةِ بعد فترةٍ عصيبةٍ وصعبةٍ أمضاها في البحث عن إرضاء الغير ظنًّا منه أنّ دخولَ الحوارات من أبوابها السياسية يُمكن ان يُغلق نوافذ الجبهات والحروب أو أقله كسر الحواجز وحدّة المواقفِ والانطباعاتِ المُسبقة مع بقيّةِ الاطرافِ.
هو الرئيس سعد الحريري القادم من بيتٍ مشهود بوطنيته وإبن رجلٍ كان همّه الأبرز تكريس مبدأ المناصفة بين اللبنانيين، وهو واحدٌ من قلّةٍ في هذا البلد تعاطى مع وجع الناس بشعور المسؤول رافضًا تركهم للمجهول ولأهواءٍ سياسيةٍ طامحة وطامعة بالوصول إلى السلطة ولو على وجع الناس. وهو الذي ترك في الأصل السلطة لاقتناعهِ التام أنّ التسويات المبنية على المصالح الشخصية وتقاسم النفوذ وتجاهل نبض الشارع، هو خيانةٌ للوطن كله ولشريحة كبيرة من اللبنانيين ائتمنته على أصواتها حتى يخوض من خلالها معاركهِ السياسية إلى جانب الحق، وليس من أجل وضعها في صناديق المراهنات.
اللافت، أنّ الحكومات السابقة كلها وربما اللاحقة التي لم يرأسها الحريري ستظل تغرف من رصيد العلاقات التي نسجها مع الدول البعيدة قبل القريبة وستسخّرها لتدعيم مواقفها وصمودها أمام الرياح الداخلية والخارجية المتنوّعة، هذا مع العلم، أنّ الحكومات التي ترأسها الحريري، هي ايضًا كانت واجهت العديد من الرياح لكنّها ظلّت صامدة حتّى قرّر إسقاطها بنفسهِ بعدما خرجَ الناس إلى الشارع، ليُعبروا عن وجعهم وضيق الحال التي أوصلتهم اليها سياسة الأطماع والمغانم، ولعبة توزيع الادوار بين أهل السلطة.
يومها قرّر الحريري أن ينتفض على الذات وأن لا يكون شريكًا ضمن هذه التوليفة، على الرغم من التهويل والابتزاز اللذين تعرض لهما.
منذ أيّامٍ قليلة، خرجت معلومات تشير إلى أن الحريري كان التقى أحد الوزراء البارزين في حكومة الرئيس حسّان دياب قبل صدور مراسيم تأليف حكومة الأخير، ورغم أن مصادر الحريري قد نفت هذا الامر ولا حتّى اللقاء مع أي من الوزراء السنّة في حكومة دياب، إلا أن التسريب بحد ذاته يؤكد أن أي حكومة لا يُمكن أن تنال شرعية الشارع السُنّي، ما لم تتكئ على الحريري أو تنال دعمه، لما يُمثّل من زعامةٍ وطنيةٍ بشكلٍ عام، وسنيّة خصوصًا ليس بحسب لعبة الإحصاءات ولا حتّى بنبش صناديق الاقتراع، إنما بواقع الناس التي أحرقت أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة تباعًا والذي كاد ليُكمل في حرق البقية لولا أن الحريري اعلن بنفسه أنه لم يعد “مرشحًا لتشكيل الحكومة المقبلة”، من دون أن يتراجعَ عن واجبه في المشاركة في الاستشارات النيابية.
مصادرٌ سياسية بارزة مقربة من “بيت الوسط”، تؤكد، أنّ الحريري لم يُلغِ نفسه سياسيًا عندما استجاب لمطالب الشعب، ولا يُمكن لأي جهة أن تُلغيه فهو ما زال رقمًا صعبًا في زمنٍ أصعب يجب التنبّه فيه لكل ما يُحاك ضد لبنان.
وتكشف المصادر، أنّ أحد أسباب عدم قبول الحريري بتأليفِ الحكومة يتجاوز ربما ما حُكيَ عنه بأنها جاءت على خلفية أن البعض أراد التأليف قبل التكليفِ أو شكل الحكومة قبل الذهاب الى جلسات الثقة، هناك من أراد أن يُحدد نوعيّة البيان الوزاري وبعض بنوده وخصوصًا الشق الاقتصادي وأن يرسمَ أيضًا خارطة طريق سياسية لما ستكون عليه الأوضاع في البلاد خلال السنوات المتبقية من العهد الحالي. لذلك جاء رفض الحريري بشكل مطلق، كي لا يكون شاهد زور لا الحراك في الشارع ولا على اهله وناسه، ولا حتّى على تياره السياسي.
اليوم، في ظلِّ الوضع المالي والاقتصادي المستعصي في البلاد وما يشهده من حديثٍ عن ضرورة عودة الحريري الى رئاسة الحكومة انطلاقًا من مقولة أنّه الوحيد القادر على احداثِ صدمةٍ ايجابيةٍ في حال قرّر العودة تبعًا لعلاقاته الدولية وموقعه الضامن والحصانة التي يُمكن أن يُغطي بها البلاد أمام الرياح الخارجية والمعقّدة وربما هذا ما جعل “الثنائي الشيعي” يُصر على بقائهِ في منصبهِ، وجب القول أنّ الرجل الذي قرّر أن ينتفض على الذات وأن يُعيدَ صياغة التسويات السياسية بطريقةٍ جديدةٍ تُبقيه خارج قفصِ الإتهام، وحده من يمتلك قرار العودة تمامًا مثلما امتلك قرار المغادرة.
ويبقى الشاغل الأهم بالنسبة الى الحريري اليوم، مراقبة السلطة وطريقة عملها مع وضع علامات امتياز لها في حال نجحت ومحاسبتها عندما تُخفق، فالسياسة في لبنان يُقابلها أثمانًا باهظة الدفع، ومن اليوم وصاعدًا تؤكد مصادر سياسية، أنّ الرجل لن يقبل أن يكون ضحيّة بعد الآن حتى ولو أضطر أن يُسمّيَ الأشياء بأسمائها، على عكس السياسة التي اعتمدها في الآونة الاخيرة القائمة على مقولة “ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلاّ كان له من الله عون”.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2H3hK9x
via IFTTT
0 comments: