Saturday, January 4, 2020

لماذا اغتيل قاسم سليماني؟

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

منذ شهر تشرين الأول المنصرم، كان واضحًا، أنّ العراق دخل منزلقًا خطيرًا، وأنّ الحربَ “الناعمة” الجاري خوضها بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية على ترابه، باتت على مشارفِ الطي وإننا مقبلون على فترةٍ أقسى تأخذ طابع المواجهة المحتدمة واضحة المعالم.

ولهذه المنازلة، أكثر من علامةٍ وسببٍ. تبدأ من الضغوطات الاقتصادية المالية الاميركية على طهران، إذ أنّ الاخيرة تبحث عن مجالاتٍ للمقاومة والإفلات قدر الإمكان من تداعيات العقوبات والتخفيف عنها، لا تنتهي بالأسباب الأميركية المرتبطة بمسألة حضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى العائلة السياسية الأميركية وتفسير اللغة العميقة داخل الدولة، ومسألة “تحرير العراق” من الحضور الايراني كخطوةٍ أساس في تفكيكِ بنية عسكرية – سياسية تمتدّ حتى بيروت.. معنى ذلك، أنّ مقومات المواجهة أضحت أكثر وضوحًا وتفسيرًا وقبولاً في العامَيْن الماضيَيْن.

لا يمكن إعتبار “الحَراكَ الشعبي” الذي بدأ وينمو تحديدًا في المدن الشيعية العراقية أمرًا طبيعيًا غير مدبّرٍ، حيث أنّ بلدًا يعدّ على رزنامةِ الـ “سي أي أيه” كأكثر مضمار أهليةً للنشاط، لا يمكن إبعاد التأثير الأميركي الاستخباراتي فيه، علمًا، أنّ حالات الخروج عن الدولة مؤخرًا لا تستند فقط إلى ظروفِ العراق الذي طبعته منذ خلعِ صدام حسين ظواهر الفساد والرشوة وغياب الدولة بل إلى الظروفِ السياسية الناشئة منذ ما بعد ظهور داعش وتعمّقها، علمًا، أنّ حالات الفساد هناك نمت في كنف الاحتلال الأميركي وكانت ظواهر مقبولة أميركيًا.

معنى ذلك، أنّ دخولَ العراق في مجرى دوران العنصر الايراني بشكلٍ ثقيلٍ منذ صعودِ “داعش” وهبوطه، يُحسَب عليه السبب الرئيس في إرتفاعِ نسبةِ الخلاف الايراني – الاميركي على تراب العراق، وإليه يعود نشوء أزمات سياسية وإجتماعية متفرّقة في هذا البلد.

حقيقةٌ، أنّ الولايات المتحدة “أكتوَت” من المدِّ الفارسي إلى العراق. هي تعتبرُ، أنّها صاحبةُ الفضل من إخراجِ هذا البلد من قبضةِ صدّام حسين وبالتالي هي صاحبةُ الحق في تقرير النفوذِ فيها. هذه هي الأحوال من وجهة نظر الأميركي، وطبعًا، واشنطن لن تستبدل “معادٍ لها بمعادٍ آخر”، أي أنّها لن تقبل باستحواذٍ ايرانيٍّ واسعٍ في العراق، ولو أنّها ارتضت لفترةٍ محدودةٍ هذا الوجود لاسبابٍ طائفية خاصة.

وللحقيقة، أميركا اكتوَت أكثر حين ساهمَ هذا المدّ في تقليصِ حضور “داعش” على الجغرافيا العراقية واضمحلال قدرات استغلال هذا الوجود في إجراء تغييرٍ واضحٍ في معالمِ نظام وجغرافية هذا البلد. الكل يعلم تقريبًا مدى الاستثمار الاميركي بهذا الفرع من الوهابية السياسية – الجهادية، والكل يعلم أيضًا، بمن فيهم واشنطن، دور إيران وتحديدًا قائد فيلق القدس قاسم سليماني في إخراجِ هذا الفرع من المعادلة لا بل المساهمة في انهياره.

منذ ما بعد “ضحول داعش” ، كان واضحًا، أنّ هناك سباقًا اميركيًا – إيرانيًا على اكتساب السيطرة في العراق. إيران ارادت تعزيز موقعها عند الضفة الشيعية، وأميركا أرادت المحافظة وتعزيز وجودها على الضفة السياسية، وكليهما سعيًا طبعًا إلى اكتساب ولاءِ النظام.

من هنا، عمل الفريقان على مستويَيْن متنافرَيْن. الايرانيون أرادوا ابقاء قوة “الحشد الشعبي” وتعزيزها، وهي طبعًا لديها أمكانيات أمر واقعٍ بفعل احتلالها الوجدان الشعبي الذي فسّر في الانتخابات والذي أملت طهران ترجمته على مستوى تركيبة النظام، والولايات المتحدة التي سعت إلى تعزيز الجيش والتمدّد داخل تركيبة الدولة عبر تفعيل أدوار الشركاء وخلق آخرين جُدد.

هذه النظرية، كانت اطرها التنفيذية واضحة المعالم داخل البنية العراقية، ويُقال، أنّ اللواء سليماني كان يلعب دورًا فيها بحكمِ أنّه الممثل الميداني الايراني المباشر في العراق يعاونه القائد الفعلي للحشد، أبو مهدي المهندس.

وعليه، تولد النزاع بوجهٍ جديدٍ بين الجانبَيْن الايراني والاميركي وتوسّع في السياسة أولًا مع عملية شدّ الحبال على المستويَيْن، ثم امتدَّ إلى الميدان حيث كان ومع كل ارتفاعٍ وتشديدٍ سياسيَيْن يواكَب بتنفيسٍ وعمل أمني يُترَجَم بقصفِ القواعد الاميركية التي تعتبر من جانب الحشد “مواقع إحتلال”.

وخلال الفترة التي تلت التظاهرات في العراق، اختبرت واشنطن وجهًا جديدًا من المواجهة، كانت كلّما سعت إلى ترسيخِ الانقلاب المُقنَّع بالاحتلال على السلطة السياسية هناك، تواجَه بردودٍ على مستوى سياسي وغير سياسي من جانب إيران، ما حال دون تحقيق الأجندات السياسية ومنها قضية استغلال “الانتفاضة الشعبية” في إدخال عناصرٍ تقيد من النفوذ الإيراني وقدرات “الحشد”.

عند هذه النقطة، قرَّرَت أميركا التي تُعاين وجود احتمالاتٍ واضحةٍ لخسارة رهانٍ جديدٍ في العراق، التقدّم خطوة عبر المباشر بتسديدِ ضربات ميدانية إلى الاجنحةِ المحسوبة على الثقل الايراني، وربما ارادت من وراء ذلك كبح نفوذ طهران داخل العراق. أضف إلى ذلك، أنّ أكثر من مصدرٍ، يكشف تغييرًا في المزاجِ الأميركي خلال الأشهر الماضية حول قضية “الدخول الايراني” ساعة بدأت ترفض حتى الزيارات ذات الطابع العسكري بين الجانبَيْن، سيما الإيراني، ما يعني رفض حضور أيّ “مستشار إيراني” إلى العراق.

في حمى هذا “التناتش”، أتت الغارة على موقعِ “حزب الله العراقي” عند الحدود السورية – العراقية، هذا الفصيلُ الذي يُعتَبَر مكتمل الحضور الإيراني كان له ردّه من على بوابات السفارة الاميركية في بغداد، في مشهدٍ يحاكي “واقعة بنغازي الشهيرة” فاستغلت واشنطن هذا التغيير في الداخل بزيادة رقعة وجودها داخل العراق، وكان واضحًا، أنّ الولايات المتحدة بدأت تستقدم وحدات عسكرية ذات ميول قتالية وليس دفاعية، على غرار وحدة التدخل السريع التابعة للمارينز وإنزالها في عمق المنطقة الخضراء.

واكب ذلك، ارتفاع درجة التأهب الاميركية في المنطقة، استدعت رفع قدرات قواعد عسكرية مجاورة وتحشيد الطائرات المقاتلة وغير المقاتلة في سماء بغداد، ما اعتُبِرَ اشارة إلى تطوّرٍ أميركيٍّ دراماتيكيٍّ قد يحصل في العاصمة العراقية في ضوءِ إتخاذ حادثة السفارة ذريعة، قابل ذلك، مخاوف عراقية – إيرانية واضحة، من إحتمال إعادة تفعيل واشنطن احتلالها العسكري للعراق من بوابةِ “الحاجة المزعومة” واستغلاله في فرضِ ضغوطات ذات طابع سياسي تحمل على إجراء تغييرات في نمطِ النظام العراقي، ما أعدّ عاملاً أتى للاستغناء عن أهدافِ التظاهرات التي لم تحقق الغرض منها.

من هنا، أتت عودة الدخول الايراني إلى العراق من بوابةِ الاستعانة بقدراتِ وأدوارِ الجنرال قاسم سليماني. وفي حالة الركون إلى تحليل درجة الاستقبال في المطار قبيل الغارة وعلى من تألفت من قادة الحشد ثم الاستعانة بموقفٍ عراقيٍّ يقول، أنّه جرى إستدعاء سليماني إلى العراق بصفة “مستشار” في وقتٍ أنّ داعش لم يعد موجودًا، يدلّ إلى أنّ الدوافع كانت مرتبطة بالتحركات العراقية والخشية الايرانية منها.

عند هذه النقطة، يمكن العثور على الإجابة عن سؤال “لماذا اغتيل سليماني”، أي أنّ ذلك ارتبطَ حصرًا بتأمين مظّلةِ حماية للحركة الاميركية الجديدة داخل العراق واستئصال أي أخطار قد تتعرَّض لها وأتى كنتيجةٍ طبيعيّةٍ لتطورات الأشهر الماضية وإتخاذ القرار بإخراجِ إيران من العراق بالقوة ومنعها من دخوله مجددًا، وإلّا، لماذا اغتيال سليماني الآن في ذروة النزاع على العراق؟

الثابتُ، أنّ الايرانيين فهموا الرسالة، وفي ضوئها قرَّروا التعامل معها ليس على أساسِ الاحتمالات بل الواقع، حيث أنّها تُعتَبر بالنسبة إليهم “ضربة ذات ثقل سيادي وتعد الأكثر خطورة منذ إنتصار الثورة”، وبالتالي هم أمام معادلتَيْن: ردّ الاعتبار من خلال ضربةٍ ذات وزن، وإعادة الاعتبار إلى قواعدِ الاشتباك، وتوجيه رسالة إلى واشنطن مفادها “لن نغادر العراق”.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2QIKFnX
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل