
ما ان انقشع الغبار عن اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني، حتى توجهت الانظار الى لبنان لمعرفة تداعيات هذه العملية على الوضع اللبناني اولاً، وعلى المسار الذي ستتخذه الامور في العلاقة مع الولايات المتحدة وما اذا كان لبنان سيتحوّل مسرحاً للرد، ثانياً. ولكن، مع مرور الوقت، تبيّن ان المسألة لن تكون بهذه الخطورة في ما خص التورط اللبناني، وان الاميركيين في بيروت لن يكونوا عرضة لـ”الانتقام” وفق معطيات عديدة عززت هذا التوجه.
يدرك الاميركيون جيداً ان استقدام عناصر اضافية الى لبنان لحماية مصالحهم وسفارتهم،لن يكون له اي قيمة حقيقية، لانّهاذا ما اتخذ قرار بقطع العلاقات او انهاء الوجود الرسمي فيه، فلن يؤثر وصول 200 او حتى الف جندي اضافي، واذا لم تحصل اشتباكات دمويّة، فأقصى الاحتمالات هو القيام بعمليات اجلاء. هذا السيناريو خطير جداً للبنان بالدرجة الاولى لانه سيعيده الى بلد خطير يتجنبّه الخارج، وسيتعرض عندها لاسوأ انواع العقوبات والحملات والضغوط التي سيجد من الصعوبة بمكان تحمّلها او التأقلم معها. هذا الامر يعرفه الجميع، وبالدرجة الاولى حزب الله الذي قرّر عدم الركون الى مثل هذه الخيارات لاسباب عدة، وكي لا يتحول شبه الاجماع الداخلي معه الى حملة عليه. وما ساعد الحزب على اتخاذ مثل هذا القرار، كان اعتماد المنطق لجهة ان الاميركيين لم يستهدفوا الحزب مباشرة، وبالتالي فإنّ تصفية الحسابات هي بينهم وبين ايران التي اكد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احدى خطاباته انها (اي ايران) لا تحتاج الى احد للرد عنها اذا ما تم استهدافها.
اضافة الى ذلك، وحتى لو تم استهداف احد مسؤولي الحزب،فإنه يكون قد تم خارج لبنان، وعليه، من المنطقي المعاملة بالمثل ايّ الرد خارج لبنان،على غرار ما حصل في الكثير من الحالات حين استهدف الحزب في سوريا مثلاً على يد اسرائيل. ويبدو ان هذه المعطيات اوصلها الحزب الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تعمّد خلال لقائه ممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، ارسال رسالة واضحة لجهة حرص لبنان على أمن المواطنين والمقيمين على اراضيه او الموجودين عليها، وهذا بذاته ضمانة لبنانيّة بأن الرعايا الاميركيين ليسوا في خطر، ولا حاجة للقلق عليهم او على مصيرهم في لبنان جرّاء الاحداث وتشابكها وتعقيداتها بعد ما قام به الرئيس الاميركي دونالد ترامب في بغداد.
هذا المنحى الذي اخذته الامور، ساهم الى حد كبير في اعطاء جرعة ايجابية جديدة للوضع الداخلي، خصوصاً على صعيد عملية تشكيل الحكومة، كما عكس اجواء ارتياح دولي كبير لجهة ابعاد لبنان قدر الامكان عن معمعة الخلاف الاميركي-الايراني، الذي بقي سقفه محدداً بعد اعلان ايران ان ردها سيكون عسكرياً فقط، اي بمعنى آخر عدم اعتماد رد من شأنه ان يؤدّي الى حرب او مواجهة عسكرية شاملة في المنطقة.
كل ما سبق يعطي اشارات واضحة مفادها انّ لبنان لن يغرق في وحول المنطقة بعد، وان ما يعاني منه اكثر من كاف بالنسبة اليه، وهي من المرّات القليلة جداً التي سيعاني منها لبنان طبعاً من تداعيات ما يحصل من حوله، انما دون ان يغرق كلياً، حيث سيقى قادراً على اعتماد سياسة العوم، ويبقى يتنفس الهواء بقدرته الذاتيّة. والسخريّة تبقى في ان من يختلف بشكل كبير مع السياسة التي تعتمدها واشنطن ان في المنطقة او في لبنان، تحوّل اليوم الى الضامن الاساسي لطمأنتها الى وضع رعاياها في هذا البلد.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2Na7Zd9
via IFTTT
0 comments: