
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
على حساباتِ الأصابع، يبدو إعلان ولادةِ الحكومة مسألة وقتٍ لا أكثر لكن وفي حالةِ الركون إلى حساباتِ البواطن نعثر على أسبابٍ ومسبباتٍ كفيلة بإطالة أمدِ التأليفِ ما يؤمِّن نسف الإيجابيّات التي تراكَمَت على السَّطحِ السياسي طوال السّاعات الـ 72 الماضية كمثل إعلان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لمؤتمرٍ صحفي اليوم و “حرد” رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وإعلان لجوئه السياسي في اللقلوق.
أمران اعدا نذيرَ شؤم كونهما حضرا في ساعةٍ كان الجميع تقريباً يتهيأ للمشاركة في حفل إستقبال الحكومة لتعود الأمور وتدخل منعطف التعقيدات من جديد.
وفي إنتظار الموقف الذي سيعلنه فرنجية ليتقّرر على ضوئه مصير مشاركته، بدت تشكيلة الحكومة ناجزةٌ ولا يعيقها أو ينقصها سوى الاتفاق على بعضِ “التفاصيل البسيطة”. لكن سرعان ما إنقلبت الأجواء لتتحوّل إلى حفلة إتهامات وخلافات تقف خلفها سلسلة تباينات تسأل عنها الكتل الصغيرة المحسوبة على فريق 8 آذار المتهمة بـ”توليد عقدٍ أكبر من حجمها” والتيّار الوطني الحرّ الذي رفض إقتطاع “ولا أي وزير من حصته لمصلحة أحد”.
كان يفترض أن يتمّمَ يوم الخميس بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المُكَلَّف حسان دياب هلال الحكومة عبر زيارةٍ “بروتوكوليّةٍ” يؤدّيها دياب إلى رئيسِ الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، فيقدِّم إليه المسودة الناجزة المقبولة والمتوافَق عليها سياسياً، فإذا كان لدى الرئيس إقتراحات يبحثها مع المُكَلَّف وربما يجري إسقاطها على التشكيلةَ فورًا. وفي أعقابِ موافقةِ الرئيس، يجري استدعاء رئيس مجلس النواب إلى قصر بعبدا تمهيدًا لإعلان المراسيم.
السيناريو لم يتحقَّقَ، علمًا، أنّ القصرَ الجمهوري وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، وُضِعَ في أجواءِ احتمالِ تصاعدِ الدخان الأبيض من عين التينة، وبالتالي إقبال الرئيسِ المُكَلَّف عليه، لكن ذلك لم يحصل، فخرجَ دياب من حضرة الرئيس بري من دون الإدلاء بأيّ تصريحٍ ومن دون الحصول على الأسماءِ الشيعيّة الثلاث (واحدٌ لأمل وإثنان لحزب الله).
هذا الجو، إنعكَسَ سلبًا على المنحى الذي سلكته المشاورات خلال فترة المساء. وسريعًا، بدأ ظهور العقدِ الصغيرة يتوالى تدريجيًا. إستهلَّها تيار المردة حين رفضَ حصر حصَّته بوزيرٍ واحدٍ مقابل 6 لثنائي “التيار – الرئاسة”، فطلب إضافة وزيرٍ ثانٍ له ما يعني تقليص الحصّة المقابلة إلى 5 أو إفساح المجال أمام رفع عديد الحكومة.
بعدها، ظهر “فيتو” مصدره الحزب السوري القومي الإجتماعي، تولّى إبلاغه النائب أسعد حردان الذي طالبَ بـ”إنصافهِ”، فإختارَ من قلَّةِ التمثيل على الصعيدِ الكاثوليكي موطئ قدمٍ ليُعلِن اعتزامه حجب الثقة في حال لم يؤخذ بمطلبه. حلّ هذا المطلب، يحتاج إلى رفعِ التشكيلةِ إلى 20 مقعدًا! أمرٌ من هذا القبيل، قد يطيح بكلّ ما جرى التفاهم عليه بسبب رفضِ إمتثال الرئيسِ المُكَلف لمنطقِ الرفعِ.
الشيء نفسه، حدثَ مع “اللقاء التشاوري” الذي وجدَ أنّه خرجَ من مولدِ الحكومة بلا حمّص “وزاري” وهو الذي أمَّن الغطاء السني لدياب حين حجَبه عنه الآخرون، فطالبَ ليس بالثمن السياسي بل حقّه بمقعدٍ، أمّا كيف؟ فهذه وظيفة المهندسين.
ثمّة كلمة سرٍّ تطبع أحداث تلك الساعات ربما تكون كفيلة بإماطةِ اللثامِ عن الكثير من التفاصيل المخفيَّة للصراعِ ليس على الحصصِ بل على “الاثلاثِ الضامنة” بعدما أضحَى أنّه لم يتبقَّ إلّا الثلث الواحد، وإلّا، كيف يمكن تفسير أنّ كتلاً سياسية سكَتَت طوال ساعاتٍ مَضَت منذ بدءِ تسريبِ اللوائح الاسميّة الصحيحة بالمستوزَرين تخرج فجأة للحديثِ عن حصصها وحقوق تمثيلها على أبوابِ إعلان التشكيل؟
مردّ ذلك كلّه، إلى اللقاءِ مع الرئيس بري، إذ وبصرفِ النظرِ عن “أجوائهِ التي وُصِفَت بالإيجابيّة”، بقيَت قطبة مخفيّة أتاحَت تحرّك كتل الثامن من آذار التي تُعتَبَر قريبة في التموضعِ إلى رئيس مجلس النواب أكثر من غيرهِ.
المسألة على ما تذكر مصادرٌ مطلعةٌ على “مطبخِ التكليفِ” لـ”ليبانون ديبايت”، تكمُن في الصراعِ ليسَ فقط على الثلثِ المُعطِّل بل على الاثلاثِ المُعطِّلَة بعدما بات واضحًا أنّ ثمة أكثر من “ثلثٍ” يتربَّص في التشكيلةِ.
هذا وعثرَ الرئيس نبيه بري، ما بين خيوطِ المسودة الحكومية التي حمَلَها دياب، على ثلثٍ ضامنٍ “مسيحيٍّ” ممنوح إلى “إختصاصيو” التيار الوطني الحر يقدَّر بـ 6 وزراء من الطائفة المسيحية من أصلِ 8 يتقاسمها مع رئيسِ الجمهورية. بهذا المعنى، عبَّرَ بري عن رفضهِ تكرار نموذج الحكومة المستقيلة.
في الوقتِ نفسه، إلتَمسَ ميلًا لدى رئيس المُكَلَّف من تأمين توزير 4 نساء يُشارك في تسميةِ إثنتَيْن منهنَّ على الأقل، كما يمكن إضافتهنَّ إلى حصَّتهِ لتصبح 6. وبهذا المعنى، وإذا ما أضفنا رئيس الحكومة إليهم، يصبح لديه 7 مقاعد وزارية أي الثلث الضامن أو مُعطِّلًا إضافيًا إلى جانبِ الثلثِ المَمْنوح إلى باسيل!
من هنا، يبدو أنّ الرئيس بري الذي رفضَ منح الرئيس دياب أسماء الوزراء الشيعة الثلاثة الباقين وإصراره على تسليمهم فقط في قصر بعبدا بحضور رئيسِ الجمهورية ميشال عون حين إكتمال التوافق على التشكيلة، علمًا، أنّ الرئيس المُكَلَّف أزعجه ذلك لكونه يريد إجراء لقاءات مع الوزراء الشيعة المطروحين كما فعلَ مع المستوزَرين الآخرين، بالاضافة إلى معاينته نبات أكثر من ثلثٍ معطل، أوحى إلى الكتل الصغيرة في 8 آذار (أي المردة، القومي والتشاوري) للمطالبة بالمثل، ما يعني أنهم أدرجوا أنفسهم على قائمةِ تأمين الثلثِ المعطل الثالث الذي سيوضع مفتاحه بجعبةِ بري.
عند هذه النقطة، نكون أمام سيناريو يتألَّف من 3 وزراء يضافون منطقيًا إلى الحصّة الشيعيّة (4) فيصبح العدد 7، ما يعني أننا أمام إقتراحٍ برفعِ التشكيلةِ مجددًا إلى 24 مقعدًا في حال أخذنا في الاعتبار دعوة المرجعيات الدرزية إلى وجودِ وزيرٍ درزيٍّ ثانٍ في التشكيلةِ.
تصرّفٌ من هذا القبيل، له بحسب معطيات “مطبخِ التأليفِ”، أن ينسفَ الاتفاقات التي تأمَّنَت خلال الأسبوعِ الجاري ويعيد الأمور إلى نقطةِ الصفرِ. أمرٌ، لا يرغب به لا حزب الله ولا الرئيس المُكَلَّف ولا الوسطاء “الشغالين” على خطِّ إنتزاعِ التنازلات من أفواهِ المرجعيات السياسية، الذين يدورون يمينًا ويسارًا من أجل تأمين تفاهمٍ لا يؤجِّل إعلان ولادة الحكومة من قصر بعبدا إلى ما بعد تاريخِ اليوم السبت.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2Rw0kHp
via IFTTT
0 comments: