الوقت- بعد حوالي ثلاثة أشهر من بدء الاحتجاجات وخروج الآلاف من أبناء الشعب العراقي إلى الشوارع للمطالبة بتحسين اوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، ما زلنا نرى الأزمة السياسية في هذا البلد مستمرة حتى هذه اللحظة ولقد أدت موجة الاحتجاجات في البداية إلى استقالة رئيس الوزراء العراقي “عادل عبد المهدي”، وقبل عدة أيام، رأينا الرئيس العراقي “برهم صالح” يقدم أيضًا استقالته إلى البرلمان العراقي ولقد أثار تهديد “صالح” بالاستقالة من منصبه في 26 ديسمبر 2019 ردود فعل عنيفة بين الفصائل والاحزاب السياسية العراقية. يذكر أن المتظاهرون يواصلون إغلاق المدارس والدوائر الرسمية في كل المدن الجنوبية تقريباً، متوعدين بأن الحياة لن تعود إلى طبيعتها حتى تحصيل مطالبهم التي خرجوا من أجلها في الأول من أكتوبر، وعلى رأسها إصلاح شامل لنظام المحاصصة القائم على الطائفية، وإنهاء احتكار نفس السياسيين للسلطة منذ 16 عاماً. الجدير بالذكر أنه في وقتنا الحالي هناك العديد من التكهنات المتعلقة بهذه الاستقالة المثيرة للجدل وفي هذا السياق، يتساءل العديد من الخبراء السياسيين حول ما مدى خطورة هذه الاستقالة وكيف ستؤثر على مستقبل المعادلات السياسية في العراق؟.
ما هي الأسباب التي دفعت “برهم صالح” لتقديم استقالته؛ هل هو مصمم على هذه الاستقالة ؟
يمكن اعتبار استقالة الرئيس “برهم صالح” التي تقدم بها للبرلمان العراقي، نوعاً من التهديد لبعض الكيانات والاحزاب والفصائل السياسية العراقية للمضي قدما في عملية إدارة الازمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالعراق ولهذا لا يمكن القول بأن الرئيس “برهم صالح” مصمم على الخروج من الساحة السياسية العراقية. الجدير بالذكر أنه على مدار الشهرين الماضيين، أصبحت مسألة الموافقة على مطالب المحتجين خيارًا نمطيًا لجميع السياسيين العراقيين، بحيث تم طرح العديد من الاسماء للترشح لمنصب رئاسة الوزراء وتم التأكيد والاتفاق أيضا على أن يكون ذلك الشخص المرشح من المحتجين.
وفي مثل هذه الظروف، قام الرئيس العراقي “برهم صالح”، أثناء تقديم فصيل “البناء” باعتباره فصيل الأغلبية في البرلمان العراقي لـ”اسعد عبد الامير العيداني” محافظ البصرة الحالي كمرشح لرئاسة الوزراء، برفض هذا الترشيح وفي الوقت نفسه قام بتقديم استقالته من منصبه كرئيس للجمهورية في شكل رسالة مكتوبة إلى البرلمان. وفي رسالته تلك، وصف رئيس “قصر السلام” الوضع في العراق في أعقاب الاحتجاجات العامة واستقالة الحكومة بأنها “ظروف تاريخية وحساسة” وأعلن أنه “للحفاظ على استقرار البلاد … ولعدم سفك الدماء ولدعم السلام الداخلي”، قام برفض المرشح “أسد العيداني” الذي رشحه فصيل “البناء” تشكيل الحكومة الجديدة. في جزء آخر من رسالته، أكد “صالح” على مسؤولية الرئيس في الحفاظ على استقلال البلد وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه من خلال الإشارة إلى المادة 67 من الدستور العراقي، قائلاً: “إن الموافقة على العيداني قد تتعارض مع الدستور العراقي، ولهذا فأنا مستعد للاستقالة من منصب رئاسة الجمهورية”.
وأضاف، إنه يعطي أعضاء مجلس النواب نظراً إلى مسؤوليتهم كممثلين للشعب، حق الاختيار لما هو مناسب للشعب وللأمة العراقية. كما أكد “برهم صالح” أن “منصب رئيس الجمهورية يجب أن يستجيب لإرادة الشعب، لذا أضع استعدادي للاستقالة أمام البرلمان العراقي“. وصرح بأنه وفي “ضوء الاستحقاقات التي فرضتها حركة الاحتجاج المحقة لأبناء الشعب، تحتم علينا أن ننظر إلى المصلحة الوطنية العليا قبل النظر إلى الاعتبارات الشخصية والسياسية”، معتبرا أن “المصالح العليا للبلاد تفرض اليوم مسؤولية وطنية على عاتق الرئيس بدعم تفاهم حول مرشح رئاسة الحكومة القادمة، وتستوجب المصلحة أن يكون عامل تهدئة للأوضاع ويستجيب لإرادة الشعب العراقي الذي هو مصدر شرعية السلطات جميعاً.
وحول هذا السياق، ذكر العديد من الخبراء السياسيين بأن استقالة “برهم صالح” ليست بأي حال من الأحوال مماثلة لاستقالة “عادل عبد المهدي”، وذلك لأنه عند النظر إلى نص رسالته التي تقدم بها للبرلمان يمكن قراءة مستويين مختلفين، فمن ناحية، قام “برهم صالح” بتهديد الفصائل السياسية باستقالته، ومن ناحية أخرى، قام بترغيب تلك الفصائل السياسية للمضي قدما لإيجاد حلول جذرية للازمة السياسية التي تعصف بالبلاد. وبالنظر إلى هذه الاعتبارات، يبدو أنه من المستبعد أن تؤخذ استقالة “برهم صالح” على محمل الجد من قبل البرلمان العراقي، لأنه مقتنع إلى حد كبير بأن أعضاء البرلمان العراقي لن يوافقوا على استقالته وعلى نفس المنوال، شاهدنا قبل عدة أيام 170 برلماني عراقي دعوا في بيان لهم الرئيس “برهم صالح” إلى عدم الاستقالة وطلبوا منه البقاء رئيساً للبلاد وطالب هؤلاء البرلمانيون أيضا بدعم الخيارات والمطالب التي يراها الرئيس “برهم صالح” مناسبة لاختيار وتعيين رئيس وزراء جديد للبلاد من بين الشخصيات المدينة وغير الحزبية وهذا الامر يُظهر كيف استطاع “برهم صالح” أن يجبر الكثير من القادة السياسيين على القبول ودعم سياسياته لحل الازمة في العراق.
أثر الموافقة المحتملة لاستقالة “برهم صالح” على التطورات السياسية في العراق
إن استقالة الرئيس العراقي “برهم صالح” في الوضع الحالي تمنح سلطة تعيين رئيس الوزراء العراقي الجديد لـ” محمد الحلبوسي” رئيسًا مجلس النواب العراقي ونتيجةً لذلك ونظرًا لأن “الحلبوسي” يُعد جزء من ائتلاف “البناء” الذي يرأسه السيد “هادي العامري”، فإنه يبدو أنه سيتم قريبًا اختيار وتعيين رئيس وزراء جديد للعراق، ولكن وبغض النظر عن البعد القانوني للقضية، فإنه في الوضع الحالي، سيكون لاستمرار تقديم بعض المسؤولين العراقيين لاستقالاتهم تأثير سلبي على القضايا السياسية في العراق وقد تؤدي تلك الاستقالات إلى خلق المزيد من العقبات أمام البرلمان العراقي لاختيار رئيس وزراء جديد للحكومة العراقية، وقد تتسبب تلك الاستقالات أيضا في إشعال الشرار الاولى لصراع بين الأكراد وبين التيارات السياسية الأخرى حول قضية اختيار رئيس وزراء جديد للعراق.
وفي مثل هذه الحالة، إذا تمت الموافقة من قبل البرلمان العراقي على استقالة الرئيس “برهم صالح”، فإنه من المتوقع حدوث أزمة بين الفصائل والاحزاب السياسية الكردية، وذلك لأنه عندما تم انتخاب “برهم صالح” لهذا المنصب قبل عدة أشهر، حدثت منافسة شديدة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وفي الاوضاع الحرجة الحالية حيث يحتاج فيها أبناء الشعب العراقي للتضامن والتكافل أكثر من أي وقت مضى، يمكن أن تضيف تلك الاستقالة مشكلة رئيسية أخرى إلى مشاكل العراق المتعددة الاوجه، ولهذا فإنه يمكن القول بأنه من غير المرجح أن يقوم البرلمان العراقي بالموافقة على استقالة الرئيس العراقي “برهم صالح”.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/36bsduD
via IFTTT
0 comments: