Friday, December 27, 2019

لمن في رأسه عقل.. قاطعوا عسل النحل الصيني.

ياسر رافع

فى أواخر ثمانينيات القرن العشرين كنا طلبه فى المدارس وكانت أخبار الجهاد الإسلامى فى أفغانستان تملئ الآفاق وكانت تلهب حماسنا وخيالنا الصغير ، وكانت تجعلنا نمتلئ فخرا بالمجاهدين العرب الذين آذاقوا أعداء الإسلام من الشيوعيون السوفيت القتل بعدما تعدوا على ديار الإسلام . وكانت شرائط الكاسيت لمشايخ التيار الإسلامى ومطويات لجنة الإغاثه الإسلاميه التابعه لنقابة الأطباء المصريه تملئ الشوارع تبشر بالنصر على أعداء الإسلام وتدعوا الناس للتبرع بالمال لنصرة إخوانهم من المجاهدين . وصرنا نحفظ أسماء المجاهدين العرب والأفغان كما لو كانوا نجوما سينمائيين أو لاعبى كرة قدم مشهورين ، ولهذا لم يكن مستغربا أن يتم تداول أسماء مثل أحمد شاه مسعود ، وقلب الدين حكمتيار ، وأسامه بن لادن ، وأيمن الظواهرى وغيرهم بين الناس بصفه يوميه . وظل هذا الوضع حتى تم النصر على الروس وخرجوا من أفغانستان بل وأنهارت الدوله السوفيتيه وإنشطرت إلى دول متعدده ، وكان هذا نصر لا يدانيه نصر ملهما لتلاميذ صغار ، حتى حانت اللحظه التى خطونا فيها أولى خطواتنا فى بداية التعليم الجامعى حتى أصبحت قنابل ورصاصات المجاهدين السابقين فى أفغانستان تملئ شوارع القاهرة وكل المحافظات المصريه !!

ما الذى حدث ؟ ولماذا تحول الحلم إلى كابوس ؟ وتحولت الطيور التى كانت تطير تحت الطائرات الروسيه لتحمل القنابل بعيدا عن المدنيين المسلمين إلى غربان سود تظلل العقل والروح !!

فى أوائل تسعينيات القرن العشرين تفجرت فضيحه ” بنك الإعتماد والتجارة ”  والذى إنهار نتيجة تورطه فى عمليات مشبوهه مثل غسيل الأموال ودعم الإرهاب وتجارة السلاح والتهرب الضريبى ، وكان يعتبر سابع أكبر بنك فى العالم من حيث الأصول الماليه  ويرأسه المصرفى الباكستانى ” الرائد أغا حسن ” بجانب شركاء عرب ذوى شأن كبير . وكان إنهيار البنك بمثابه حجر ضخم وقع فى المياه الراكدة وأنتشرت الفضائح لكن كان الحدث الأكبر هو دور البنك فى تمويل الجهاد الإسلامى فى أفغانستان وأصبح الحديث عن تجارة المخدرات والتمويل الأمريكى والعربى بغطاءات مختلفه حديث يزكم الأنوف .. إيه الحكايه ؟!

فى كتاب ” الحروب غير المقدسة .. الإرهاب بإسم الإسلام ” للكاتب المفكر الأمريكى ” جون إسبوزيتو” أورد الكاتب واقعه صحيحه مفاداها أنه بعد حفل تنصيب الرئيس ريجان برئاسة أمريكا بثلاث أيام حضر زائر مهم غير منتظر وصوله إلى واشنطن وطلب مقابلة الرئيس لأمرا هام .

وبدأ اللقاء الذى حضرة الرئيس ووزير دفاعه ومستشار الأمن القومى وقام الضيف الذى لم يكن إلا رئيس المخابرات الفرنسيه الكونت ” ألكسندر دى ميرانش ” بشرح سبب وجوده فى واشنطن ، وبادر الرئيس الأمريكى بأنه يعلم أن هناك مأزق تمويلى تجاه المجاهدين الذين يحاربون فى أفغانستان وأن أمريكا مطالبه بتمويلهم حتى يذوق السوفيت مرارة الهزيمه كما فعلوا بأمريكا وساعدوا الفيتناميين فى السابق ، وراح يسأل الرئيس عن كميات المخدرات التى تضبط سنويا فى أمريكا ؟ فرد الرئيس ريجان ” إنه لا يعرف ، لكنه يفترض أن هذة المضبوطات يجرى حرقها تحت رقابة شديدة ” هنا رد ألكسندر دى ميرانش ” هذا خطأ يا سيدى الرئيس ” وراح يشرح كيف أنه يمكن إعادة إستخدام تلك المخدرات وتصديرها إلى معسكرات الجيش السوفيتى فى افغانستان حتى تضعف قواه ، ويعاد تدوير جزء آخر منها فى الأسواق لتدبير الأموال اللازمه لشراء السلاح وسداد مستحقات الشباب الذين يرسلون إلى آتون الحرب هناك . وكان يلزم لذلك شبكه كبيره من البنوك لتبييض وغسيل تلك الأموال .

ومع سقوط بنك الإعتماد والتجارة سقطت الأقنعه وبرزت أكبر عمليه تمويل قذرة أستخدم فيها الدين الإسلامى لتصفية الحسابات بين أمريكا والإتحاد السوفيتى . لكن ما دور العرب ؟!

بعد إنتهاء الحرب العالميه الثانيه 1945 قامت الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتى وأمريكا وأنقسمت قيادة العالم بينهما ، وفى سبيل أمريكا لمحاصرة الإتحاد السوفيتى فكرت فى فكرة أطلق عليها إسم ” المغناطيس الإسلامى ” والتى تهدف إلى جذب الدول الإسلاميه إلى حلف كبير يجذب دول جنوب الإتحاد السوفيتى الإسلاميه بهدف تفتيته وإسقاطه ، ولكن تلك الفكره لم يكتب لها النجاح لأنها إصطدمت مع مشروع القوميه العربيه إبان فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر فى مصر ! ولكن الفكرة أصبحت على أرض الواقع بعدما تغيرت السياسه العربيه فى نهاية سبعينيات القرن العشرين وأتجهت ناحية أمريكا وسط تنامى للأفكار الدينيه فيها . حتى كانت اللحظه التى أخطا فيها الإتحاد السوفيتى وأتخذ قرار دخول أفغانستان لمناصرة الحكومه العميله والحليفه له هناك !! وهنا كان لفعل المغناطيس الإسلامى فعل السحر فقامت الدول العربيه التى تكره الشيوعيه بتعبئة الشارع العربى تجاه السوفييت الكفره الملحدين وهو ما جعلها ترسل شبابها ليقاتلوا هناك محملين بشحنات معنويه كبيره تجعل مشاهد الجنه لا تفارق خيالهم أبدا ، بل ورأت بعض الدول العربيه أن الحرب الأفغانيه وسيله للتخلص من شباب الحركه الإسلاميه المزعجين وسهلت لهم الوصول إلى ميادين المعارك . كل هذا وسط تمويل مالى كبير وسلاح غير محدود لم يخلوا من رائحه عفنه سرعان ما تبرأت منه العديد من الدول العربيه بعدما بدا أن السهم سيرتد إليها وأن مساندتها للحرب تحولت إلى مطالبات بتغيير حكوماتها وأنظمتها الحاكمه وهدف لدى العائدين من أبناءها من ميادين القتال فى أفغانستان .

ومع إنتهاء الحرب وضح وتبين أن الشيوخ الكبار قد إستفادوا من الحرب ومن أحلام الشباب الصغير الحالم بجنة عرضها السموات والأرض ، ومع إنقطاع التمويل وتهرب الجميع من فضائح الجهاد فى أفغانستان ، ومع عودة الشباب العربى إلى بلادهم الذين تشبعوا بأفكار الممولين للحرب حدثت الفاجعه فكان على الدول العربيه أن تدفع ثمن أكلها عسل نحل تحالفها مع أمريكا وظنها انها تلعب دورا موازيا لأمريكا فى قيادة العالم من قبل النحل من أبناءها الذين عادوا ليس كما السابق بعدما تحولوا إلى دبابير لاسعه تؤرق النوم وتستنزف الجهد والمال بعمليات إرهابيه طالت لسنوات طويله .

لم تتعلم الدول العربيه من دروس حرب أفغانستان وإرسالها لأبناءها للقتال فى حرب دفعت فيها الأموال والسلاح والشباب ولم تجنى إلا الخراب وإحتلال أمريكا لأراضيها فى نهاية المطاف ، ونراها بعد الربيع العربى فى 2011 تقامر مرة آخرى وتلقى بثقلها وراء أمريكا لإصطياد روسيا فى سوريا وتقوم بتمويل الجماعات الإسلاميه المتطرفه بإيعاز من أمريكا فى كلا من العراق وسوريا وهو الأمر الذى أدى لنشوء تنظيم ” داعش ” التى أعطت مسوغ لأمريكا لإستنزاف مقدرات العرب الماليه وإنهيار الأمن العربى لصالح اللاعبين الإقليمين ، وفى النهاية ماذا جنت الدول العربيه ؟! عمليات إرهابيه ، وقتل ودماء فى كل مكان !!

لكن بين ثنايا تلك الحرب يبدوا أن هناك من يهمس فى أذن العرب والمسلمين بأن شبابكم مطلوبين فى مكان آخر بعد أن إنتهت المهمه وأنهار النظام العربى بالكامل !

أين يكون هذا المكان ؟!

بعدما تحولت سوريا إلى ميدان مفتوح لكل الطامعين فى الجهاد ضد الكفرة من أتباع النظام السورى وحلفاءه من الروس ، فقد إنقسم العالم حول الحرب فى سوريا وكان هناك لاعب قوى يناصر سوريا دون المشاركه فى الحرب المباشره لإعتبارات خاصه بالتوازنات الدوليه ولكنه مهتم بشده بسبب وجود عناصر بشريه تقدر بالآلاف تقاتل ضد حليفها وتعتبرهم عنصر خطر عليها فى المستقبل وتصفهم بالإرهابيين ، إنها الصين ومقاتلى الإيجور المسلمين أتباع الحزب ” التركستانى ” القومى الذى يطالب بإستقلال إقليم تركستان عن الصين والذين تخاف منهم الصين إذا ما عادوا أن ينقلوا خبراتهم القتاليه ضدها فى حرب عصابات تنهكها خصوصا بعدما دخلت أمريكا على خط الأزمه بهدف معلن وهو حماية أقلية الإيجور من إضطهاد السلطات الصينيه لهم ولكن الهدف الحقيقى كما الهدف ضد الإتحاد السوفيتى قديما وهو محاولة إحتواء التمدد الإقتصادى الصينى خصوصا وأن منطقة تركستان أو مقاطعة شينجيانج تقع فى صلب خطة الصين الإقتصاديه الكبرى ” إحياء طريق الحرير ” وهى الخطه التى أصبحت مهددة على طول الطريق بمحاوله تصدير فكرة الجهاد الإسلامى إليها وتدميرها إقتصاديا

حملات المقاطعه التى تجتاح الدول العربيه ضد البضائع الصينيه لها ما يبررها لدى المواطن العربى المسلم الذى يسمع كل يوم عن فظائع ترتكبها الصين ضد مسلمى الإيجور ، كما كان لديه المبرر فى مقاطعة المنتجات الدانيماركيه على خلفية الرسوم المسيئه للرسول محمد (ص) ، لكن حملة مقاطعة المنتجات الصينيه هذه المرة تحمل شيئا مختلفا فهى ليست إحتجاجا شديد اللهجه فى وجه التنين الصينى ! وليست إبرازا لقوة العالم الإسلامى والمنتمين له ! بل تحمل بين ثناياها وفى خلفية الصورة شبحا يريد ان تتجه الأحداث إلى سيناريو يدفع بشباب تلك المنطقه من العالم للقتال ضد الصين لنصرة إخوانهم من الإيجور وليحسم معركة الإستنزاف ضد الصين لصالح أمريكا وأوروبا لينعموا بأرباحهم التجاريه التى يخشون عليها مع تنامى صعود الصين الإقتصادي .

يجب أن لا تنخدع الدول العربيه مرة أخرى وتمنى نفسها بلعب دورا عالميا أكبر منها كما السابق وتنساق وراء مشاريع نقل الصراع وإستغلال شباب العرب والمسلمين فى صراع ليس لهم فيه ناقة ولا جمل ، خصوصا مع إنتقال الجهاديين خارج سوريا والعراق إلى جوار المصالح الصينيه فى الصين وفى أفريقيا ، وعليه يجب أن نوقف روح الشغف والمغامره وراء جني عسل النحل فى الصين تحت مسمى جهادي، لأنه سيتحول إلى علقم وسيرتد شبابنا مجددا إلينا كغربان سود تبشر بالموت والخراب وساعتها لن نجد من يقف بجانبنا.

قاطعوا عسل النحل الصيني قبل فوات الآوان. وقبل أن تختمر الفكره فى عقول الشباب المسلم الحالم بمجتمع مثالى لا يقدر على تحقيقه على أرض الواقع، ويتحول إلى حالم مخدوع يتجول كخلايا نحل جهاديه فى بقاع الأرض لحماية المصالح الأمريكيه التى توجهه ناحية أعدائها متخيلا أنه يصنع أنهارا من العسل فى كل بلد يحط فيها بسلاحه وتكون النتيجه أنهارا من عسل آسن وذكور من نحل شباب قتلى ومقطعي الأوصال ودول عربيه تعانى سكرات النشوه الوهميه بأنها دول قادره على أداء أدوار عالميه وهى فى الحقيقه أقل من تابع يؤدى دوره بإتقان .

المصدر: ياسر رافع-رأي اليوم



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/363KgTE
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل