Monday, December 23, 2019

بعد الحريري… رئاسة الجمهورية ليست للأقوى مسيحيًا

“ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل

لا تزال الرسالة التي وجَّهَها رئيس الجمهورية ميشال عون في آب الماضي الى مجلس النواب لمناقشة المادة 95 من الدستور عالقة في جارور الرئيس نبيه بري والتي كانت في المرحلة الماضية وقبل استقالة الرئيس سعد الحريري أحد اسباب الفتور بين الرئاسَتَيْن الاولى والثانية.

قد يُصعَب فعلًا بعد إقلاعِ حكومة الرئيس المُكلَّف حسان دياب إذا نجحَ في اختبار التأليف، إعادة طرحِ المسألة على بساطِ البحثِ، بعد اعتبار فريق الرئيس سعد الحريري أنّ ما حصل يشكِّل تجاوزًا نافرًا للمُعطى الميثاقي في تكليفِ رئيسِ حكومة لا يحظى بالغطاءِ السني وضربًا لمعادلة حكم الاقوياء التي أوصلت ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.

دواعي توجيه الرسالة الرئاسية، قامت على أساسِ تفسير المادة 95 من الدستور التي تلحظ “مرحلة انتقالية”، تُلغَى خلالها قاعدة التمثيل الطائفي بحيث يُعتَمَد الاختصاص والكفاءة في الوظائفِ العامة “وفقًا لمقتضيات الوفاق الوطني” باستثناء وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها حيث تكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، معطوفة على الفقرة “ي” من مقدمة الدستور التي تنصّ، على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.

وأتى ذلك، بعد ورود مادة في قانون الموازنة العامة تنصّ على “حفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناءً على قرار مجلس الوزراء وأعلنت نتائجها حسب الأصول”، وذلك لتناقضها مع “مقتضياتِ الوفاق الوطني” التي يجب مراعاتها في معرضِ إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة، وفق ما جاء في الرسالة، إضافة الى اسباب عدّة منها تعارضها مع المادة 80 من قانون الموازنة لناحية وقف التوظيف والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة، مع العلم، أنّها المادة التي واكبها اجماع وطني على تجاوزها على ابواب الانتخابات النيابية الماضية.

وفيما شدَّدَت الرسالة، على أنّ “المرحلة الانتقالية” التي تُلغَى خلالها قاعدة التمثيل الطائفي لم تبدأ بعد، وأنّ المادة 95 من الدستور، معطوفة على الفقرة “ي” من مقدمته التي تنص على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقِض ميثاق العيش المشترك”، هي مادةٌ ميثاقيةٌ بامتياز، اشارت الى الخللِ الميثاقي في اعتمادِ نتائجِ المباريات، طالبةً من مجلس النواب، تفسير الدستور “حفاظًا على ميثاقنا ووفاقنا الوطني وعيشنا المشترك”.

ورئاسة الجمهورية التي لم تَحتَمِل “العطب الميثاقي الكبير” في مبارياتِ مجلسِ الخدمة في الفئتَيْن الثالثة والرابعة (90% لصالحِ المسلمين و10% لصالحِ المسيحيين)، وأبقَت مراسيمها مجمَّدة حتى الآن، خاضَت، برأي قريبين من الحريري، مع حلفائها معركة تجاوز “العطب الميثاقي” نفسه لكن على مستوى رئاسة الحكومة من خلال عملية التكليف والتوقيع الرئاسي المرتقب على مرسوم تكليف رئيس حكومة منزوع الغطاء السني، و”كأنّ الميثاقية في تعيين مأموري الاحراشِ أرفع شأنًا من توافر هذا المُعطَى في تشكيل الحكومات”.

وقد كان جواب الرئيس المُكلَّف حسان دياب جاهزًا للافتاء، بأنّ الميثاقيةَ ليست جزءًا من الدستور بل رأي سياسي، في وقتٍ، أنّ الرسالة الرئاسية التي هي من صلبِ العملِ الدستوري لرئاسة الجمهورية ورد في متنها الاشارة الى المُعطَى الميثاقي الذي لا لُبسَ فيه في المادة 95 من الدستور معطوفة على الفقرة “ي”.

وبلغةِ الارقام، يشير هؤلاء، الى أنّ هذا “العطب” لم يتجلَّ فقط في تصويتِ 6 نوّاب سُنَّة لصالحِ دياب من أصل 27، بل أيضًا من خلال تسمية 27 نائبًا شيعيًا دياب من أصل 27، كما نال أصوات أقلّ من نصفِ المسيحيين.

وفيما بَقِيَ الفريق الشيعي حتى اللحظة الاخيرة مُتَمَسِّكًا بالحريري، إلّا أنّ حجةَ التيار الوطني الحر، بأنّ الاخيرَ اعتذرَ وهذا ما سمحَ بتسميةِ بديلٍ آخر مكانه، تبدو مرفوضة من جانبِ تيار المستقبل الذي يُعاير “التيّار” بكونه رفضَ منذ البداية تسميته، وتُوِّج الرفض العوني بآخر قواتي.

ويبدو أنّ نتيجة استشارات التكليف قد كرَّسَت في ذهنِ الحريريين حصول انقلابٍ في مفهوم اتفاق الطائف الذي جاءَ بدايةً على حسابِ المسيحيين، ثم مع ميشال عون تمّ تكريس نظرية الاقوياء في طائفتهم، “لنصل اليوم الى واقع نيل كلّ من الشيعة والمسيحيين حصصهم… مضافًا اليها حصة السنة”!!

في الجهةِ المقابلة، بتأكيدِ أوساطٍ مطلعةٍ، أنّ “الغطاءَ الدولي والاقليمي والخليجي رُفِعَ عن سعد الحريري قبل أن يرفعه أفرقاء الداخل، فيما يُسجَّل لحزب الله والرئيس نبيه بري حرصهما على الاحتفاظِ بورقةِ الحريري حتى اللحظة الاخيرة تفاديًا لأيّ كباشٍ طائفيٍّ أو مذهبيٍّ، فيما في الملعبِ المسيحي يفترض مساءلة القوات اللبنانية حليفة الحريري عن موقفها قبل رجم التيار الوطني الحر”، مشيرةً، الى أنّ السؤال الاكبر عن الميثاقية يفترض أن يوجَّهَ الى الحريري حول “مصيرِ هذه الميثاقية مع الحكومة التي كان سيرأسها مع فريق عمل كافة القوى السياسية خارجه”!

لكن أمام هذين المعسكَرَيْن، ثمّة فريق براغماتي ينظر الى كسر الحاجز الميثاقي على مستوى رئاسة الحكومة، في ظلّ شارعٍ مُنتَفِضٍ على الطاقمِ السياسي والحكم بأمر الطائفة والزعامات و”حكم الاقوياء” في طائفتهم، كتمهيدٍ لكسرِ المحرمات على مستوى الرئاسات الاخرى.

وسيتعيَّن في الاستحقاقات المقبلة تحديدًا على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب تبرير التمسّك مجددًا بنظرية حكم الاقوياء والميثاقية، والتغاضي عنها في مكانٍ آخر.

هذا الفريق تحديدًا، يرى أنّ نظرية الاقوياء في طائفتهم بعد تكريسها في عهدِ ميشال عون، عمَّقَت المسافات بين الشارع والسلطة الحاكمة كونها قد ثبَّتَت ذهنية المحاصصة على مستوى الرئاسات الثلاث نزولًا الى مجلس الوزراء وكافة المواقع في الدولة وصولًا الى السلكِ القضائي والامني وأصغر حاجبٍ.

ويتساءل أنصارُ هذا الفريق، “ماذا لو كان الاقوى في طائفته استنادًا الى الانتخابات النيابية هو الاكثر فسادًا أو المغضوب عليه وطنيًا؟ وماذا يمكن أن يفسّرَ هذا التدحرج المريع صوب الانهيار المالي والاقتصادي سوى كونه نتاج حكومات الوحدة الوطنية “الانتفاعية” وتقسيم المغانم “ميثاقيًا” منذ عقودٍ؟ ومن يستطيع أن يُقنِعَ في المستقبلِ القريبِ المهووسين بحكمِ الاقوياءِ، أنّ من يَكسر هذه المعادلة على مستوى إحدى الرئاسات لا يستطيع أن “يجبّرها” مع رئاساتٍ أخرى مستظلًا عباءة انتخابات لا تزال تُخاض على اساسِ قوانين محض طائفية ومذهبية تؤمِّن مصالح اصحاب المليارات وموزّعي الخدمات والنفوذ؟



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2rkl1gx
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل