“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
… وفي ليلة حلول نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل ضيفًا على بيروت، خطَّ سعد الحريري بيان اعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة بيده، “أعلن أنني لن أكون مرشحًا لتشكيل الحكومة المقبلة”. قالها رئيس حكومة تصريف الأعمال والخيبة تعتريه من أحوال الساعات الماضية التي لم ينجح خلالها من تأمين عبورٍ آمنٍ على الرغم من جرعات دعم عين التينة.
و”لم ينجح”، هذه يمكن إسقاط أسبابها على الداخل والخارج معًا. داخليًا، أبلغَ التيار الوطني الحرّ رسالته إلى الحريري منذ الصباحِ الباكر، “لن نشارك لا نحن ولا الرئيس ولو شدَّ في مقامك القريب والبعيد”. وفي الخارج، لم يكن الحال أفضل. وصلت إلى الحريري وعلى نحوٍ مباشرٍ رسالة أميركية سبقتها أخرى سعودية تؤكِّد المؤكَّد في تسريباتِ الايام الماضية: “لا نريدك!”.
كان قد سبقَ هذا القرار، تعويم “أمر عمليات” للهجوم على سعد الحريري تحت عنوان رفض عودته، تُرجِمَ على شكلِ هاشتاغ أُطلِقَ “من مكانٍ ما” حمل صفة الغائب: “#مش_راجع_والسما_زرقا”. و “المش راجع” هذه، غير مرتبطةٍ ببرنامجٍ حكوميٍّ “لا يعجب الثوار” بل في تموضعِ الحريري الجديد الذي أعدّ في “مضبطة الاتهام” الموزعة بأنّه “مرشح حزب الله وحركة أمل والشيعة عمومًا لمنصب رئيس الحكومة السني”.
عندَ هذه النقطة، اُخرِجَ سعد الحريري من المعادلة. إنسحَبَ أو سُحِبَ لا فرق، المهم الآن، أنّ الادارة الاميركية بشخصِ مبعوثها السامي إلى بيروت ديفيد هيل، وضعت الحريري على الرّفِ واستلمت إدارة الملف الحكومي “من دون واسطة”، من رأسهِ إلى ساسهِ، بشراكةِ مجموعة بيادق سياسيّة محليّة تتحرَّك على بوصلةِ الرياح الأميركية، وهذا إنما يدلّ على الدخول الأميركي في عمق الازمة اللبنانية.
تصرفٌ من هذا القبيل، أزعجَ ليس فقط الضاحية أو عين التينة، بل طاول بثقلهِ أيضًا قصر بعبدا وميرنا الشالوحي وعموم مقار قوى الثامن من آذار التي وجدَت أنّ في “الإنزال الأميركي” “محاولة فرض شروطٍ وإرغامنا على القبول بها من على ظهرِ الحَراكِ”!
طبعًا، ما سيبلغه موفد وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو إلى بيروت لن يكون منحصرًا في اجتهاداتٍ حول شكل الحكومة التي يريدها للبنان، بل إنّ المعلومات التي راجت يوم الثلاثاء، أظهرت مؤشرات واضحة حول ضلوعٍ أميركيٍّ في تأزيم المشهد اللبناني بشهادة معنيين تناقلوا معلومات مفادها، أنّ الدبلوماسي الأميركي سيطرح مخرجًا حكوميًا يقوم على تسمية السفير السّابق نوّاف سلام.
ثم أنّ دوائر محددة، ذهبت أبعد من ذلك في ظل نقلها معلومات “عن جهات دبلوماسية”، تفترض أنّ هيل قادم إلى بيروت وفي جعبته أمرًا تنفيذيًا وليس طلبًا لفرضِ نواف سلام على الكتل السياسية بوصفه المفضل لدى واشنطن.. والرياض أيضًا.
بعد هذه المعلومات، سادَ الارباك في بيت الوسط. هناك من يقول، أنّ المعلومة تلك هي التي دفعت الحريري إلى الخروجِ من المشهدِ فورًا وهو الذي كان لغاية مساء الثلاثاء يأمل في أن تكون التسريبات الاميركية مجرّد رسائلٍ لا أكثر، ليتضح له صباح الأربعاء انها عبارة عن موقفٍ أميركيٍّ حازمٍ.
وبالفعل، رتب الأميركي وحلفائه في بيروت أمورهم يوم أمس على مبدأ، أنّ مرشحهم هو نوّاف سلام. سريعًا، تحرّك أكثر من “مرسال” تجاه الصروح المحسوبة على خط واشنطن، من معراب إلى المختارة، حاملًا رسائل واضحة: “نعم لتسمية نوّاف سلام في استشارات الخميس”. تمنٍ أقرب إلى طلبٍ إلزاميٍّ بوجوب إسقاط الورقة وجعل نواف سلام رئيسًا مكلفًا قبل أن تطأ أقدام الموفد الأميركي مطار بيروت!
في المختارة، أتى الطلب على وزن تبني رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط للسفير السابق، والمقصود منحه الغطاء الدرزي. معنى ذلك، أنّ على “البيك”، أن يُغادرَ منطقة الاتفاق مع الرئيس نبيه بري ما سينتج عنه مقدار كبير من الاستفزاز، فهل يقدر عليه البيك؟
في مكانٍ آخر، كانت ترتفع أسهم سلام بمعية “القوات اللبنانية”. طوال نهار أمس، اشتغلت معراب كمندوب علاقات عامة لدى السفير السابق، عاملةً على ترويج إسمه لدى الكتل الباقية المحسوبة على خط 14 آذار التقليدي، بوصف الرجل “حلاً للمرحلة يحمل صفة التكنوقراط”.
في المقابل، طعنت مجددًا بسعد الحريري، معتبرةً، أنّه “مرشح حزب الله غير المقبول”، قبل أن توزعَ ما عندها لدى الدوائر الدبلوماسية التابعة للحلفاء، من الرياض وحتى واشنطن. لكن كيف سيتعامل حزب الله و8 آذار إزاء تعويم إسم نواف سلام اميركيًا؟
في الوقت الراهن، ما زال هذا الفريق يتعامل مع الموقف على أنّ سعد الحريري هو مرشّحهُ الذي يجب تسميته في إستشارات الخميس ومنحه الثقة الكاملة، بصرفِ النظر عن بيان اعتذاره، لكن “إذا كان ولا بُد نلتزم بمن يفوّضه تولّي المهمة عنه”. وفي الحديث عن التفويض، اُسقِطَ إسم وزير التريبة السابق حسّان دياب على ساحة التكليف ما دلّ إلى وجود “خطة ب” رُتّبت تفاصيلها في الخفاء.
لغاية الآن، الاستشارات ما زالت قائمة رغم الضبابية التي تسود قصر بعبدا بعدما قلبت المعادلات رأساً على عقب، حيث أنّ الظروفَ التي قالت فيها أوساطه، أنها “لن تجري أي تغيير على موعد الاستشارات”، تبدَّلت اليوم ليصبح القديم ساقطًا على قدمه، وما يحوم في الأجواء قد يتيح تأمين مخرجٍ للتأجيل… أو إخراج أرنب حل!
في المقابل، يريد فريق 8 آذار الثبات على الموعد رافضًا أي تعديل سيطاوله. وعلى ما يبدو، يريد هذا الفريق ومعه حزب الله تحويل “نكسة” ليلة الاستشارات إلى فرصة تقطع الطريق على محاولات الاستثمار بنواف سلام القادم على الصهوة الاميركية، لا بل أنّ الخيارَ هو في إعلان الرفضِ الصريحِ لهذا الدخول الاميركي وإبلاغ رسالةٍ “قاسيةٍ” إنطلاقًا من الاستشارات مفادها”: “لا لنواف سلام”.
و “لا لنواف” تستجلب “نعم لحسّان”، وعلى هذا النحو يتحوّل قصر بعبدا إلى حلبة “مصارعة حكومية” تسبق قدوم هيل. سيناريو اليوم في حال طُبّق على بركة “نوّاف”، مقلقٌ ومفتوحٌ على شتّى العواملِ، في وقتٍ رجّح أكثر من مصدرٍ معنيٍّ بالملف الحكومي، أن يولِّدَ طرح نواف سلام أزمة لا تقف حدودها عند التظاهرات والاعتراض في الشارعِ.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/35C2V8R
via IFTTT
0 comments: