Monday, December 9, 2019

من مرشحٍ لرئاسة الحكومة… الى ساعي بريد!

“ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل

في الوقتِ الذي كان فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يناشد بعض دول العالم حماية الأمن الغذائي اللبناني عبر تأمين اعتماداتٍ لإستيرادِ الموادِ الأساسيّة وعلى مسافةِ أيّامٍ قليلةٍ من عقدِ اجتماعِ مجموعةِ الدعمِ الدوليّة لمساعدةِ لبنان، كانت متاريس الرفضِ لخيارِ المرشح سمير الخطيب ترتفع على طريق “استشارات القصر”، منذرة، بأنّ “الدولارات المطلوبة” لن تصل الى اللبنانيين ما لم يسلك الحلّ السياسي مساره الجدّي وبحكومةٍ “مش كيفما كان”.

كالبورصةِ، ارتفعت تدريجيًّا اسهم الرافضين لخيار “استشاري الجمهورية”، لكن “الصوت السني” في منظومةِ الرفضِ كان الأكثر تعبيرًا ووضوحًا وكرّسته تطوّرات الساعات الماضية التي أفضَت الى تحوّل سمير الخطيب من مرشحِ رئاسةِ حكومةٍ عَمِلَت أكثر من جهةٍ سياسيّةٍ وأمنيّةٍ لـ “تنجيحهِ” في “فحصِ” الاستشارات الى ساعي بريدٍ بُلِّغ في دار الفتوى بالتوافق “بين أبناء الطائفة الاسلامية” على سعد الحريري رئيسًا للحكومة ثم توجّه الى بيت الوسط لإيصال رسالةٍ يجزم كثيرون أنها أُعِدَّت وكُتِبَت وطُبِعَت أصلاً… في بيت الوسط!

تعَدَّدت سيناريوهات الرفضِ السني والنتيجة واحدة: عودةٌ الى مرحلةِ التفاوضِ الصعبِ مع الحريري حول شكل الحكومة، ومحاولة إيجادِ “تخريجةٍ” تعفيه من التزامه بقاعدةٍ “ليس أنا بل أحد آخر” لتشكيل الحكومة في بيان الاعتذار الذي تلاه في السّادسِ والعشرين من الشهر الماضي!

في الشكلِ، أول خيطِ المقاطعة السنية للاستشارات النيابيّة الملزمة “قبل إعلان المديرية العامة لرئاسة الجمهورية تأجيلها الى يوم الاثنين 16 كانون الأول”، بدأ من خلال الموقفِ الذي أعلنه النائب نهاد المشنوق بُعَيْد لقاءٍ جمعه لأكثر من ساعةٍ بمفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان ومن ثم صدور بيان اتحاد العائلات البيروتية الذي دعا نواب كتلة “المستقبل” الى مقاطعة الاستشارات النيابية والخطيب الى “الاعتذار عن الترشيحِ”، والذي تبيَّن لاحقًا أنّ هذا البيان لم يُنَسَّق مع الحريري.

هكذا، لم يكن خيار رئيسِ الحكومة المستقيلة بالموافقة على إسم الخطيب من ضمن بعضِ الشروط الوزارية كافيًا ليَعبُر إبن إقليم الخروب جسر الالتحاق بنادي رؤساء الحكومات السّابقين، مع العلم، أنّ محيطَ الحريري لا يزال يُردِّد ما لم يقله الاخير:”أزمةٌ وجودية من هذا النوع لا تتمّ مواجهتها بسمير الخطيب!

لم يكن مجرَّد تفصيلٍ، أن يَطلَّ المشنوق من دار الفتوى في الوقتِ الذي سُرِّبَت معلومات عن رفضِ المفتي استقبال مدير عام شركة “خطيب وعلمي”، ويُكرِّر ما سبقَ أن قاله قبل سبعةِ أشهرٍ من الدارِ نفسها. يومها نعى إمكانية “الوصول بشكلٍ سهلٍ الى نتيجةٍ في الوقتِ المناسبِ على الصعيدَيْن المالي والاقتصادي” من دون إرساءِ حلٍّ سياسيٍّ، رابطًا حتى ملف النفطِ والغازِ بالاتفاق الجدّي والحاسم على الاستراتيجيّة الدفاعيّة. استنتاجٌ لاقاه الحريري، المهجوس بـ”سيدر”، بالتبشير “بأنّكم سترَون جهدًا كبيرًا من الحكومة في الايّام المقبلة لكي ننجو من العاصفة”!

وها هي العاصفة تكاد تبتلع الجميع، والمُتَمَرِّد على الخيار السياسي لكتلته والادارة السيئة للتسوية الرئاسية يعيد التأكيد، بأنّ تحذيراته السّابقة على مستوى تجاوز صلاحيات رئاسة الحكومة وبأن لا حلّ اقتصاديًا من دون ذاك السياسي، قد أثبتت الاحداث صحتها، داعيًا، الى “حكومةِ مصالحة مع الشارعِ والعربِ والغربِ”.

ويرى مطلعون، أنّ مواقفَ المشنوق قبل سبعةِ أشهرٍ كانت بمثابة رسالةٍ أراد ايصالها وزير الداخلية السّابق الى من يعنيهم الأمر، خصوصًا، أنّ قنواتَ الرصدِ والتقاطِ مؤشراتِ متغيّرات المنطقة لا تزال شغّالة لديه رغم خروجهِ من الصنائعِ وانفصاله عن كتلة “المستقبل”.

وبالتأكيد، بدا موقف المشنوق لناحية مقاطعة الاستشارات عقب صدور بيان اتحاد العائلات البيروتيّة الأكثر تقدّمًا في مجال التموضعِ السني حول ترشيحِ الخطيب وملابسات التفاوض حول إسمهِ وجولات تأليفِ الحكومة قبل التكليفِ.

حيث أنّ بيانَ رؤساءِ الحكومات السّابقين وقفَ عند عتبةِ تسميةِ الحريري لرئاسةِ الحكومة واتّهام الخطيب بالانصياعِ لـ”لجنةٍ فاحصةٍ” وضرب موقع رئيسِ مجلسِ الوزراء وإضعافه، من دون تكبير الفشخةِ باتجاه رفضِ سلوكِ طريق بعبدا للمشاركة في الاستشارات.

وفي ما عكس تضاربًا وضياعًا في المواقفِ ضمن كتلة “المستقبل”، سارَعَ النائب محمد الحجار عقب صدور بيان اتحاد العائلات البيروتية الى التأكيد على التزام الكتلة تسمية الخطيب، بينما “شَطح” زميله النائب محمد كبارة باتجاه الجزم بعدم مشاركته في استشاراتٍ لا يكون سعد الحريري مرشحها الأوحد.

باعتقادِ كثيرين، لم يكن الأمر سوى توزيع أدوارٍ لسيناريو كان يُحضَّر في الكواليسِ الضيقةِ، ومن خلال خطوطٍ مفتوحةٍ مع الخارجِ، لـ”مبايعةٍ” شاملةٍ للحريري تسبق الاجتماع الدولي في فرنسا وتضع حدًا لأي ترشيح سني آخر لرئاسة الحكومة أقلّه في الوقتِ الراهنِ، والأهمّ تؤسِّس لجبهةٍ سنيّةٍ، لم تكن “مفعَّلة” سابقًا، للتفاوضِ على تكليفِ الحريري وتشكيلِ فريقِ عملهِ، في وقتٍ يبدو فيه الشارع رافضًا لهذه المبايعة على أساسٍ طائفيٍّ!

وفيما كانت المُعطيات تشير الى إصرارٍ رئاسيٍّ في بعبدا على حصول الاستشارات وعدم تأجيلها تحت ضغطِ الشارعِ مع خطّةٍ أمنيّةٍ لمنعِ قطعِ الطرقات على النواب المشاركين فيها، فإنّ انسحابَ الخطيب أدى الى حصول التأجيل في ظلِّ وجودِ عقباتٍ حقيقيّةٍ أمام قبول الحريري مجددًا بالتكليفِ إلّا بشروطٍ غير مُتَّفَقٍ عليها بعد.

ويعكس هذا الواقع، برأي كثيرين، ليس فقط حدَّة الأزمةِ السياسيّة إنما مصيبة التفتيش عن “قائدٍ” سنيٍّ للمرحلةِ في ظلِّ وجودِ زعيمٍ يفضِّل “التنحّي عن الزعامةِ” الى حين مرور الموجةِ ومرشحين بالجملةِ من أجل تولّي المهمة تحترق أوراقهم، مرشح تلو الآخر!



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2P2B6QV
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل