“ليبانون ديبايت” – إدوار نون
تختتم لجنة المال والموازنة مشوارها التشريحي والتدقيقي على مشروع موازنة ٢٠٢٠ غداً الخميس، بعدما اعطى رئيسها النائب ابراهيم كنعان مهلة ٤٨ لوزارات وادارات ومؤسسات لتقديم الايضاحات الكافية والمستندات اللازمة حول بنود عدة…”والاّ فما حدن يلومنا”، كما قال.
في الظروف السياسية والامنية الدقيقة، تمكنت اللجنة من العبور بأمان بالمشروع الذي بين ايديها، وهو الذي لم يخل من الألغام، التي نجحت بتفكيكها، على القلم والورقة.
وفي هذا السياق، يؤكد احد النواب الاعضاء في اللجنة انها “اثبتت مرة جديدة في الظرف الصعب الذي نعيش، مقولة تتردد على لسان المتابعين لمسار عملها، انها لجنة افعال وانجاز”.
هذا التوصيف نجحت في مراكمته على الصعيدين الرقابي والتشريعي منذ العام 2010، فتحوّل عملها الى ما يشبه “الثورة اليومية” التي سبقت الحراك الشعبي بتسع سنوات.
وعلى قاعدة “إن إضاءة شمعة مرّة أفضل من لعن الظلام ألف مرّة”، ترجمت اللجنة توجهها هذا في حقل الموازنة والتشريعات والتوظيف العشوائي.
يجمع المتابعون على ان أثر لجنة المال تخطى الأمتار القليلة التي تتألّف منها القاعة المخصصة لها في الطابق الأول من مبنى النواب المحاذي للبرلمان، ليطال كل وزارة وإدارة ومؤسسة في الدولة اللبنانية.
وهي التي دخلت على سبيل المثال “حيث لم يجرؤ آخرون” قبلها الى ما يسمى “بالمحميات” من مجالس وهيئات، ودققت في الجمعيات، لتنصف تلك التي تعنى بالرعاية الإجتماعية، وتضع حداً للتي تعود بالفائدة على المنتفعين من سياسيين وأقارب ومحاسيب.
لقد عملت لجنة المال على وصف الدواء، ولم تكتف بتوصيف الداء. وتمكّنت في أقل من سنتين من إنجاز دراسة مشاريع موازنات 2017 و2018 و2019 ، وهي تتحضّر غداً للقول “أتممت المهمة”، ليصبح مشروع ٢٠٢٠ جاهزاً للإقرار أمام الهيئة العامة، للمرة الأولى منذ إتفاق الطائف، قبل انتهاء السنة المالية، أي قبل نهاية العام.
لم يكن الإصلاح بالنسبة الى لجنة المال، همروجة ظرفية او وليدة الأمس. لكن هذا المسار بدأ قبل تسع سنوات. فعندما تسلّمت لجنة المال مشروع موازنة 2010، أنجزت دراسته في 54 جلسة صباحية ومسائية، في سابقة من نوعها في العمل البرلماني والمؤسساتي في لبنان. واستمعت الى كل الوزارات والإدارات والمؤسسات، لتكتشف أن لا حسابات مالية صحيحة ومدققة وفق الأصول للدولة اللبنانية منذ العام 1993، الأمر الذي حال دون اقرار الموازنة ونشرها في الجريدة الرسمية.
وبتنا منذ ذلك الحين أمام مسار اعادة تكوين الحسابات المالية للدولة اللبنانية، على أثر تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، كان للجنة المال والموازنة الدور الأساسي فيها لبيان ما اعترى هذه الحسابات من ثغرات ومخالفات على صعيد الهبات وسلفات الخزينة والشيكات المفقودة والحوالات المكررة والمفقودة، وهو ما أكده تقرير وزارة المالية عن هذه الحسابات والذي تجاوز الثلاثين ألف صفحة.
وبعدما كانت المجالس النيابية تصادق على الحسبات المالية “مع التحفّظ”، بدأ مسار استعادة المالية العامة الى كنف الدستور والقانون، وبات اللبنانيون يسمعون بملف الحسابات المالية الذي لا يزال مفتوحاً بانتظار انجاز ديوان المحاسبة التدقيق به. وقد كان كلام كنعان واضحاً بالامس لناحية التنبيه من التأخير الحاصل على هذا الصعيد وقوله “سنتهم مباشرة كل من يعيق انجاز التدقيق بالحسابات المالية”.
وفي سياق استعادة الثقتين المحلية والدولية الضروريتين لجذب الاستثمارات وتحسين الوضعين المالي والإقتصادي، لم تكن دراسة لجنة المال لمشاريع الموازنات شكلية. بل إن السرعة في عملها، لم تترافق مع التسرّع، إذ اقترن درس كل مشروع موازنة باقتراح مفصل ومبرر لتخفيض الإنفاق، من أبواب الهدر والإنفاق غير المجدي، لا بالضرائب او على حساب المواطن.
ففي مشروع موازنة العام 2017 اقترحت اللجنة تخفيض مبلغ 1.006 مليار ليرة. وكان أبرز ابواب التخفيض هي الجمعيات المنتفعة على حساب المال العام، والمحميات التي تنفق دون أية رقابة أو محاسبة من مجالس وهيئات.
وفي مشروع موازنة العام 2019 اقترحت لجنة المال تخفيض 1.161 مليار ليرة. وإن كانت الهيئة العامة لمجلس النواب لم تأخذ باقتراح اللجنة خلال العام 2017 ، فهذا الأمر لم يثنها عن الاستمرار في اقتراح خفض الإنفاق فكان لها ما أرادت في مشروع موازنة العام 2019، حيث تم تخفيض مبلغ مبلغ 324 مليار ليرة من المشروع الاساس المحال من الحكومة.
وغدا ستكون اللجنة على موعد مع البت باقتراح كنعان لتخفيضات تصل الى 500 مليار ليرة.
وعلى صعيد ضبط الإنفاق وإعادة هيكلة القطاع العام، اصدرت لجنة المال والموازنة بنتيجة درس كل مشروع موازنة، توصيات إلى الحكومة تتناول ضبط الإنفاق العام غير المجدي وحددت مواطنه ومجالاته. وكانت لها 10 توصيات بعد انجاز دراسة مشروع موازنة 2010، و19 بعد موازنة 2017 و37 بعد موازنة 2018 و37 بعد موازنة 2019. وقد اقترنت هذه التوصيات بموافقة الهيئة العامة للمجلس النيابي، وأخذت الحكومة بالبعض منها لا سيما تلك المتعلقة بتحديد سقف للاقتراض لا يتجاوز العجز المقدر في الموازنة، بعدما كانت إجازة الاقتراض مفتوحة لتلبية متطلبات امتصاص الفائض من الودائع المصرفية.كما أن البعض من هذه التوصيات قد كرس بنصوص قانونية أدرجت في قانون سلسلة الرتب والرواتب وفي قانون موازنة العام 2019 لاسيما على صعيد إجراء مسح شامل للعاملين في القطاع العام ووقف التوظيف.
لم تكن الموازنة الملف الوحيد الذي بات يمكن القول وعلى الصعيد الرقابي البرلماني، كان للجنة المال بين تشرين الأول 2018 وأيار 2019، جلسات متلاحقة غاصت فيها في ما سمي “بملف التوظيف العشوائي”، وهو الملف الذي سأل في خصوصه النائب كنعان امس “اين القضاء؟”.
هذا غيض من فيض يثبت أن لجنة المال والموازنة لم تركب موجة، بل ثبّتت دعائم مسار رقابي وتشريعي…. لاشارات حياة ايجابية تدلل على ان المؤسسات في لبنان قادرة على العمل… إن اخضعت للانعاشات الاصلاحية المطلوبة…فهل تكون الكتل السياسية المختلفة الى جانب النواب المستقلين على قدر التحدي؟ الساعات المقبلة ستكون الفيصل.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2P9W2pr
via IFTTT
0 comments: