Wednesday, November 6, 2019

الدم مُقابل التدويل

ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

على ما يبدو أنّ القرارَ بفتحِ الشوارعِ قد إتُّخِذَ، وعليه، بات من المُسلَّم به منذ الآن وصاعدًا، أنّه على المتظاهرين إختيار السّاحات للتظاهر والاعتصام بدلًا من الشوارعِ، ولو أُرغِموا على ذلك!

ويعتقد البعض منهم، بشكلٍ جازمٍ وغير قابلٍ للتأويل، مردّه، إلى أنّ نوايا “فتح الطرقات” تتخفّى وراء أكمَّتها مآرب أخرى قد تؤهلها في مرحلةٍ تاليةٍ إلى الانقضاضِ على “الثورة” وأكلها، وهذا بالذات ما يُعدّ مصدر تخويفٍ دائمٍ قد يؤدّي لاحقًا في حال تطوّره إلى تحريكِ وتأجيجِ الشارعِ مجددًا ما سيُعيد عقارب السّاعة الى الاقفال.

صراحةً ومن دون مواربةٍ، هناك فصيلٌ أو أكثر داخل الحَراكِ، من المُصَنَّفين ضمن طبقة “المتسلِّقين”، يعتقدون، أنّ مسألة فتحِ الطرقاتِ تعود بالضرر على أجنداتٍ خاصّةٍ يحملونها، وقد يتعذَّر تنفيذها في حال عادت شرايين الحياة في البلاد إلى طبيعتها، وعلى هذا النحو، يبالغون في تأجيجِ مشاعرِ الخوفِ داخل الحَراكِ والإيحاء بوجودِ مخطّطات لضربهم.

وبالمناسبة، هؤلاء ظهروا خلال الفترة الماضية على أنّهم أكثر الدافعين بإتجاه إقفال الطرقات “مهما كلَّف الأمر” وأكثر من يؤسِّسون إلى “فدرلة الحَراكِ” ولو أدّى ذلك إلى مواجهةٍ، سواء بين الناس بعضهم ببعض أو بينهم وبين السلطة، لا مشكلة، المهمّ، أن تبقى الطرقات مُقفَلة مهما كلَّف الثمن، والأسوأ، أنّ الايّامَ اظهرت، أن لديهم خططًا مُنجَزة بهذا الشأن.

على هذا الأساس، هناك إعتقادٌ أمنيٌّ يبدو واقعيًّا، يفيد بأنّ مسألة خروجِ هؤلاء “المتسلِّقين” من الشارعِ “ظرفيّة”، ونظرًا لتسلسل الاحداث تصبح عودتهم متوقَّعة في أيِّ وقتٍ. من هنا، بدا وكأنّ المجموعات “الواقعيّة” المؤسِّسة للحَراكِ، تُبَرمِج نفسها بإتجاه تفعيل التحركات ضمن الخطة “ب”، أي التوجّه نحو المقار والمؤسّسات الرسميّة والمصارف.

في مكانٍ ما، تجد بعض الدوائر، أنّ التحركَ بإتجاهاتٍ أخرى غير الطرقات، مريحٌ إن لم نقل مفيدًا أكثر، على اعتبار، أنّ تلك الدوائر كانت تمتلك مؤشرات وأدلّة حول “تلاعبٍ” مقصودٍ يحدث في الشارع من أجل الجرّ ربما إلى شوارعٍ مقابلة أو بدرجةٍ أخفّ مواجهات دموية.

أكثر من ذلك، هناك جهاتٌ مُلِمَّةٌ، كانت تشير، إلى محاولةِ “تأمين ظروفٍ ناضجةٍ” تشرِّع باب التدويل على صعيدِ الملفِّ اللبنانيٍّ، وطبعًا، مثل هذا التوجّه، يرتِّب أثمانًا لا بدَّ من دفعها، كان التخوّف يتعاظم من أن يكون الثمن مترتِّب في الشارع، لذلك، كان المعنيّون يسرعون في تأمين “الغطاءِ” الكافي لقوى الأمن لإستباقِ الأمور والإسراعِ بفتحِ الطرقات.

الجميع يذكر تقريبًا ما حدث في البداوي، حيث تحوَّلت قضية فتحِ الطريق فجأةً إلى مواجهةٍ حادّة بين الجيش والمتظاهرين، طبعًا لهذه المواجهة أسبابها لكن السيناريو الذي طُبِّقَ كان هو مصدرُ الارتيابِ. ففي حال التعمّق في قراءة وقائعِ ذلك النهار يُمكن العثور على طرفٍ ثالثٍ، تقريبًا يحسب نفسه على الحَراكِ، هو من دفعَ نحو إفتعال مشكلة مع الجيشِ.

وعلى النحو ذاته ولو بدرجةٍ أقلّ، حصلَ ما حصل عند طريقِ جل الديب وزوق مصبح والشفروليه. في المحطّاتِ الثلاث، ثَبُتَ، أنّ هناك أحدًا ما في مكانٍ معيَّن يؤجِّج المشاعر لدى الجموع ويدفع باتجاه حصول مواجهةٍ مدنيّةٍ – عسكريّةٍ في الشارعِ، أو بالاحرى، يسعى إلى تكبيدِ الطرفَيْن ثمن مواجهة تُفتَتَح بالشارعِ على مصراعيها ويكون ثمنها دماء!

للحقيقة، هذا ما لفت بال المعنيين، لذلك، صدرت أوامر إلى كلّ وحدات الجيش المنتشرة على الطرقات تدعوهم لفتحها، مع التشديد على تحمّل الاستفزازات وعدم الدخول في مواجهاتٍ “قاسيةٍ” مع الأهالي، مع الأخذ بعين الاعتبار تنفيذ الأوامر، وهذا يعني، أنّ لدى المؤسسة العسكرية معلومات حول محاولات إدخالها في مواجهة.

وخلافًا للنظرة السّائدة والقائمة على “تخاذلِ الجيش” في مسألةِ تعويم الفوضى، أظهر حرصًا واضحًا على اقتلاعِ ظواهرِ إنحرافِ مسارِ التظاهرات في الطرقات في ظلّ إصراره على “خلع” من يتسلَّق على ظهر الحَراكِ ويثير الفوضى في البلاد. ويبدو أنّ هذه الخطوة، أثارت واشنطن التي دعت في بيانها الجيش إلى “مواصلة الدفاع عن المتظاهرين”.

في الواقع، أنّ الجيش تحرَّك بالاستناد إلى معلوماتٍ، وعلى الأرجح هو ليس وحده من يمتلكها، إذ هناك أطرافٌ سياسيّة مؤثرة نقلت إليها معلومات دقيقة، حول وجود توجهاتٍ مقصودة تدفع باتجاه الإخلال الامني وتدفع الشارع إلى مواجهةٍ مع القوى الأمنية أو غيرها وقد تؤدي الاستفزازات غرض سفكِ الدماءِ، وهذه مادّة قد تطلبها بعض الجهات من أجل تحفيز التظاهرات.

لكن لماذا؟ الحديثُ الدائرُ يتمحور حول توفر رغباتٍ في الدفعِ قدمًا بإتجاه توفير ظروف تساهم بتدويل الملف اللبناني وجعله تحت الفصلِ السابعِ، وللحقيقة هذه السياسة لا يصلح تطبيقها إلّا في حالة واحدة، مواجهات وسليان دماء على الأرض من طرف المتظاهرين، توحيان بقمع التظاهرات ما يوفر ذريعة لنقل الملف اللبناني إلى طاولة مجلس الأمن وبحث سبل حماية التظاهرات.

هذا الكلام ليس عبارة عن ظنونٍ بل دعواتٍ صريحةٍ سُمِعَ صداها لدى أكثر من شارعٍ في شرقِ بيروت وغربها، وهذه الدعوات من غير الواقعي، أن تكون عبثية صادرة عن شخصٍ عاديٍّ لا يفقه السياسة، بل أنّ ترددها في أكثر من نقطةٍ واتجاهٍ يوحيان عن وجودِ توجهٍ حقيقيٍّ يدفع بهذا الاتجاه.

وتبعًا لذلك، تصبح الظروف الموضوعيّة المؤهلة إلى هذا الدور، تنطلق من انفلاشِ الشارعِ نحو مواجهاتٍ من الضروري أن تذرف الدماء، ما يؤدي لاحقًا إلى استغلاله من بوابةِ “قمع التظاهرات”، وهذا قد يستجلب لاحقًا دعمًا دوليًّا على صعيدٍ ما، أو ربما أكثر من ذلك.

في الحقيقة، إنّ مشروعَ إقفال الطرقات، خاصّة الساحليّة منها، تحديدًا في النقاط ذات الثقل المسيحي، يوحيان بتوفر أجنداتٍ عسكريّةٍ، تبعًا لطريقة التنفيذِ والتحضيرِ وخريطة الاغلاق، وهذا أسَّس إلى مخاوفٍ من طرازِ التدويلِ التي لم تكن عبارات “إستدعاء إسرائيل” خارج سياقها، وبالتالي، كان لا بدّ من فتحِ الطرقات كي لا يذهب الاحتقان في الشارعِ إلى مرحلةِ استنزافٍ تنقل لبنان إلى وضعيّة الخطة “ب”.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2WQesO9
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل