
“ليبانون ديبايت”- ملاك عقيل
تحت ضغطِ هديرِ الشارعِ، خرَجَ رئيس الحكومة سعد الحريري بعد خمسة أيّامٍ على “انتفاضةِ 17 تشرين” بورقةٍ إصلاحيّةٍ لا تزال غير قابلةٍ للصرفِ.
تضمَّنت الورقة في البندِ رقم 19، سطرًا، يشير الى “العملِ على إقرار مشروعِ قانون العفو العام بمهلةٍ اقصاها نهاية العام الجاري”، الذي ما لبث أن انفجرَ بوجهِ “طالبي القُربِ” من الشارعِ بعد إدراجِ قانون العفو العام على جدول أعمال “جلسة 12 تشرين الثاني”.
في “تلك الجلسة”، استخدمَ الرئيس نبيه بري صلاحيّاته وفقًا للمادة 38 من النظام الداخلي وأيضًا “بناءً لرغبة الحَراكِ المدني الحقيقي الذي ينادي بمطالبٍ مشروعةٍ ومحقةٍ”، كما قال.
ووضعَ على جدول الأعمال، المرسوم المتعلق بقانون مكافحة الفساد، اقتراح قانون إنشاء محكمةٍ للجرائم الماليّة، قانون ضمان الشيخوخة، اقتراح قانون مُعَجَّل مُكَرَّر يتعلَّق بالعفو العام.
فيما أحيلت اقتراحات قوانين تتعلَّق بِرَفعِ السريّة المصرفيّة، تبييض الأموال، واسترداد الأموال المنهوبة، الى اللجان المُشتَرَكة بسببِ وجودِ صيغٍ عدّة لكلّ قانون. قوانين إصلاحيّة “ولا بالأحلام”، لكنّ الشارع تلقَّفها بسلبيّةٍ، مطالبًا، بالمزيدِ ومتوعِّدًا بحصارِ المجلس، الأمر الذي دفع الرئيس بري الى تأجيلِ الجلسةِ لأسبابٍ أمنيّةٍ مُتَهِمًا من عرقل عقدها بمحاولةِ “الابقاءِ على الفراغِ السياسيّ القائمِ”.
“عجيبةٌ” لا تحصل إلّا في زمنِ “الثوراتِ”، على الرّغم من وجودِ أكثر من صوتٍ نيابيٍّ كان “يدفش” دائمًا صوب إقرار القوانين العالقة كرئيسِ لجنة متابعة تنفيذ القوانين النائب ياسين جابر الذي انفجَر لغم “العفو العام” بوجههِ، مع العلم، أنّ القانون هو نتاجُ اللجنةِ الوزاريّة التي شَكَّلها مجلس الوزراء لهذه الغاية، ولم يضَع توقيعه على القانون إلّا بعد تأكّده بأنّه لا يعفي أحدًا من أيّ تهمةٍ ماليّةٍ سابقة أو لاحقة، معلنًا، “عدم تمسّكه بقانونٍ هو ملكُ الهيئة العامة”.
والنائب جابر الذي وقَّع الى جانبِ المفكرة القانونية قانون استقلاليّة القضاء، كان الأكثر وضوحًا في التعبير عن المسارِ الذي سلكه الاقتراح، مؤكِّدًا، أنّه سيطالب بسحبه من الهيئة العامة، لكن الجلسة “طارت” من أساسها.
لكن أبعد من هذا التفصيل، كشفت جلسة 12 تشرين الثاني بأسبابها الموجبة، حجم الضغطِ الذي تتعرَّض له السّلطة وأيضًا مدى تخبّطها، ما أدّى الى حشرِ نفسها في زاويةِ شارعَيْن “مُلتهِبَيْن”.
الأوّل، مع إقرار القانون فورًا، فيما يقف الشارع الثاني ضدّه لأكثر من سببٍ في ظلِّ اصطفافٍ مسيحيٍّ واضحٍ “شيطَنَ” اقتراح القانون في التوقيتِ والمضمونِ (شكَّل أيضًا مادة للسجال بين التيار والقوات) ودفع الوزير جبران باسيل الصامت هذه الايّام الى التذكير “بقوانين العفو التي أقرَّت بعد الحرب والتي ألغت مبدأ المحاسبة وشرَّعت الأبواب لدخول الفساد، مؤكِّدًا، أننا “مع تشديدِ العقوبات”. مع العلم، أنّ بنودَ الورقة الاصلاحية أُقِرَّت بحضورِ وزراء الوطني الحر”.
أما “القوات اللبنانية”، فركَّزت، على أنّ اللجنة الوزارية لم تعقد أي اجتماعٍ بعد تأليفها، وحين طرَحَ الحريري خطته كان وزراء “الحزب” قد قدَّموا استقالتهم. فيما أشار النائب عماد واكيم، الى أنّ “باسيل وافقَ على القانون استرضاءً للحريري لتشكيل الحكومة، وعندما لم يوافق الاخير على ما طلب منه انقلب جبران الى الضغطِ عليه”.
بمطلقِ الاحوالِ، كان سهلاً الاستنتاج أنّ الحريري، ومعه الفريق الشيعي، عجَّلوا في تظهير قانون العفو في الوقتِ الذي كانت فيه طرابلس “تغلي”، بينما المناطق الشيعيّة تشهد “ثورة” مَهَّدت لمرحلةٍ لا يمكن الرجوع الى ما قبلها. الأمرُ لا يشبه التسويق للقانون على أبواب الانتخابات النيابيّة والدليل، أنّ السلطة كانت “مزروكة” الى درجةِ “سلقِ” الاحالة الى الهيئة العامة!
في 28 تشرين الأوّل الماضي، عقدت اللجنة الوزاريّة آخر اجتماعٍ لها في بيت الوسط، حيث تمّ وضع مسودة مشروع قانون على أن تخضع للتعديلات في اجتماعاتٍ لاحقةٍ لم تحصل بسبب استقالة الحكومة في اليوم التالي.
يقول النائب آلان عون عضو هيئة مكتب المجلس لـ”ليبانون ديبايت”، “عمليًّا، لم يكن هناك مشروعٌ جاهزٌ لدى الحكومة، وبالتالي لم يكن بيد الهيئة العامة صيغة محدَّدة للقانون”.
ويضيف، “الرئيس بري ارتأى إحالة قوانين أساسية مثل قانون الصفقات العمومية والتهرّب الضريبي الى اللجان المشتركة لاستكمالهما حيث كانت الحكومة لا تزال تدرسهما ويحتاجان الى شغلٍ حقيقيٍّ، مع إحالة قانون العفو العام بصفة معجّل مكرّر الى الهيئة العامة”.
ويؤكِّد عون، أن “ليس من صلاحية الهيئة العامة النقاش في مضمون القانون بل إدراجه على جدول الاعمال، ونحن كفريقٍ سياسيٍّ وحين استلمنا جدول الاعمال اكتشفنا ثغرات في القانون الذي نرفضه”.
وفي مقابل الاصرار السني والشيعي، شارعًا وقيادات، على القانون في هذه اللحظة المفصليّة، جاءَت “شيطنة” العونيين للقانون لأكثر من سببٍ مع اتهام في الوقت نفسه لاطرافٍ أخرى، بينها “القوات” و”جماعة الحَراكِ”، بالتحريضِ واستخدامِ القانون “ضدّ الجلسة التشريعيّة برمّتها مع ما تحمله من قوانين اصلاحيّة واتهام بحماية الفاسدين”.
لكن ما بدا لافتًا، أنّه في مقابل وقوفِ باسيل ضدّ القانون، والقول بأنّه، “ضدّ تثبيت الجريمة بالعفو” ما أوحى بأنّ الصيغة تحمل ما يسهِّل إعفاء المرتكبين من المحاسبة، كان النائب آلان عون يغرِّد خارج السرب تمامًا، مؤكِّدًا، أنّ “القانون بصيغته الحالية لم يتضمَّن نهائيًّا ما يؤدّي الى إعفاءِ الفاسدين ومرتكبي الجرائم المالية والاستيلاء على الاملاك العام من المحاسبةِ، وكلّ كلام آخر هو كذبٌ”.
النائب عون يعلن في الوقتِ نفسه، تفهمه “لذهاب الرئيسَيْن نبيه بري وسعد الحريري نحو إقرار القانون استجابة لمطالبِ الشارعِ ونحن لا نريد أن نظلمهما، لكن هذا شيءٌ وقبولنا موضوعٌ آخر، إذ نرفض الصيغة المعروضة اليوم أمام مجلس النواب”.
يأتي ذلك، مع تسليم مسؤولين عونيين، أنّ طريقة التفاعل مع القانون كانت خاطئة ولم تتمّ بعقلٍ باردٍ “ما سمحَ بحصولِ مزايداتٍ من قبل أكثرِ من طرفٍ”. ثم ما لبث تكتل “لبنان القوي”، أن طالبَ بفصلِ قانون العفو ورفضه له عن القوانين الاصلاحيّة المُلِحَّة.
لكن المؤكَّد، وفق المعطيات، أنّ القانون سيخضَع لتعديلاتٍ حتميّةٍ، حيث تبيَّن، أنّ بنوده الاساسية، والتي يفترض أن تطاول بنتائجها الموقوفين والمحكومين في جرائم المخدرات أو قضية الاسلاميين، لم يتمّ البتّ بها بعد، فيما لوحظ، أنّ القانونَ لم يضمّ المشمولين بملفِ العملاءِ، إضافة الى استثناءاتٍ كثيرةٍ، وهذا ما يفسِّر ربّما ردة الفعل السلبيّة للقوى المسيحيّة.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2Qa2Hks
via IFTTT
0 comments: