خضر طالب /الرقيب
قذف الرئيس سعد الحريري الكرة من ملعبه، وأعلن خروجه الحاسم من دائرة التكليف لتشكيل حكومة جديدة، ووضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام تحدّي إجراء استشارات نيابية ملزمة لتكليف شخصية تأليف الحكومة، من دون الإشارة ما إذا كان الحريري سيتمثّل فيها، مع ما يعني ذلك من إشكالية كبيرة حول طبيعة الحكومة ومظلّتها وهويتها السياسية، في ظل إصرار الرئيس نبيه بري و”حزب الله” على تأمين مظلّة الحريري لها، سواء عبر رئاسته لها أو تسمية من يريد لرئاستها أو مشاركة وزراء من “المستقبل” فيها.
وعلمت “الرقيب” أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري و”حزب الله”، كانوا في أجواء قرار الحريري بالانكفاء منذ يومين، ولذلك كان الحديث عن مهلة 24 ساعة للجواب النهائي، بينما كانت رحلة البحث عن إسم جديد لرئاسة الحكومة قد انطلقت وجرى التداول بأكثر من إسم خلال اليومين الماضيين.
وكشفت معلومات خاصة لـ”الرقيب” أن الاتصالات لم تكن محصورة بالقوى السياسية اللبنانية، وإنما أيضاً مع عدد من السفراء، في سياق مشاورات لاستكشاف مواقف كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وايضاً المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا، من مسألة اعتذار الحريري وتكليف شخصية جديدة.
حتى الساعة، لم يتبيّن ما إذا كان انسحاب الحريري من رئاسة الحكومة ينسحب أيضاً على تسميته شخصاً آخر أو مشاركة تيار “المستقبل” في الحكومة الجديدة. مع ذلك، فإن انكفاء الحريري يفتح الباب واسعاً على تداعيات كثيرة، ومشهد سياسي مختلف في البلد، خصوصاً أن السقف السياسي الذي وضعه الحريري عند استقالته، ثم في بيان سحب إسمه من التكليف، يضع أي رئيس مكلّف أمام معضلة صعبة في البيئة السنّية، وبالتالي غياب ـ أو ضعف ـ “الشرعية” السنية عن الرئيس المفترض، إلا إذا قرّر الحريري تسميته أو مشاركة وزراء من “المستقبل” في الحكومة المقبلة.
ومع رمي الحريري كرة التكليف في ملعب بعبدا، يتركّز النقاش حالياً على تأمين أحد الشروط التي يريدها الرئيس نبيه بري و”حزب الله” للحكومة: إما أن يسمّي الحريري شخصية لهذه المهمة، أو أن يوافق عليه، أو يشارك تيار “المستقبل” في الحكومة.
لكن الحريري كان حريصاً في بيانه على تعمّد الغموض في هذه النقاط تحديداً، وهو ما يضفي مزيداً من الحذر على المشاورات الجارية، سواء لاختيار شخصية الرئيس المكلّف أو لجهة طبيعة وشكل ومضمون الحكومة، خصوصاً أن عدم مشاركة تيار “المستقبل” فيها هو الخيار المرجّح، على غرار موقف كل من “الحزب التقدمي الإشتراكي” و”القوات اللبنانية” اللذين أعلنا عدم مشاركتهما في الحكومة المقبلة، مع ما يعني ذلك من عودة الانقسام السياسي الحاد وتداعياته، وبالتالي تشكيل حكومة فريق واحد.
ومنذ لحظة إعلان الحريري انكفاءه، كان السؤال البديهي: من هو الرئيس المقبل؟
التسريبات التي كانت متواصلة خلال الأيام الماضية كانت تركّز على عدة أسماء: الوزير السابق بهيج طبّارة، النائب سمير الجسر، السفير نواف سلام، القاضي سمير حمّود، وجواد عدره.
لكن أسهم هذه الأسماء كانت تتراجع أو تتقدّم يومياً. وفي حين سارع الجسر إلى إعلان تمسّكه بترشيح الرئيس سعد الحريري كخيار وحيد، لم يصدر عن طبّارة أي تعليق لكنه تعرّض لحملة بسبب تقدّمه في العمر (90 سنة). أما باقي الأسماء فقد “احترقت” تباعاً لأسباب مختلفة. وبعد دقائق من إعلان الحريري انسحابه، جرى التداول بإسم رئيس مجلس إدارة شركة “حطيب وعلمي” سمير الخطيب كمرشح جديد، إلا أن إسمه بدا كغيره من أسماء المرشحين غير الجديين.
قبل بيان الحريري، كان لافتاً أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي تعمّد إجراء حديث مع صحيفة “الجمهورية” في محاولة للدفاع عن نفسه في الملفات التي وُجّهت السهام إليه فيها، ثم بادر إلى المشاركة في اجتماع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، في ما بدا أنه يريد طرح إسمه كخيار بديل عن الحريري، تكراراً لتججربة العام 2011. لكن دون هذا الترشيح الكثير من التعقيدات، خصوصاً أنه كان أحد أبرز السياسيين الذين تعرّضوا للهجوم من المتظاهرين في الساحات، وخصوصاً في بيئته مدينة طرابلس، على خلفية ملفات قروض الإسكان وشركة الخليوي، فضلاً عن وقف مساعداته في طرابلس منذ انتهاء الانتخابات النيابية العام 2018، وهو ما دفع مجموعات من أبناء المدينة إلى التظاهر أمام منزله في طرابلس أثناء وجوده فيه واضطراره إلى طلب تدخّل الجيش لحمايته.
كما أن الشارع يريد شخصية من خارج القوى السياسية الحالية والتي تمت تجربتها. وبالتالي فإن إسم الرئيس المكلّف يفترض أن يشكّل صدمة إيجابية للرأي العام، وإلا فإن تسمية أي شخصية سياسية ستؤدي إلى انفجار الشارع بشكل أكبر، خصوصاً أن تيار “المستقبل” سيكون هذه المرّة شريكاً كاملاً في الحراك الشعبي وفي كل الساحات، وهو ما قد يؤدي إلى تكرار تجربة العام 1998 عندما ابتعد الرئيس الشهيد رفيق الحريري لخلاف مع رئيس الجمهورية العماد آميل لحود آنذاك، ثم عاد في العام 2000 “على حصان أبيض” وأطاح بكل التنوّع السياسي للسنّة، وأصبح ممثّلاً “حصرياً” للسنّة.
من هنا، فإن المشاورات تكثّفت بعد بيان الحريري بين بعبدا وعين التينة والضاحية، بهدف التوافق على شخصية لتشكيل الحكومة، لا تستفز الرئيس الحريري، وتتمتع بمواصفات مقبولة في الشارع، ولا تكون عليها أي علامات استفهام في ملفات الفساد.
ومع اقتراب الساعة صفر للإستشارات النيابية الملزمة، فإن الاتصالات بلغت ذروتها في كل الاتجاهات، محلياً وخارجياً، ويفترض أن تتبلور نتائجها بتحديد إسم الشخصية التي سيتم تكليفها برئاسة الحكومة خلال ساعات.
بيان الحريري
صدر عن رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري البيان الآتي:
“بعد 40 يوما على حراك اللبنانيات واللبنانيين، وقرابة الشهر على استقالة الحكومة استجابة لصرختهم العارمة، وافساحا في المجال لتحقيق مطالبهم المحقة، بات من الواضح أن ما هو أخطر من الأزمة الوطنية الكبيرة والأزمة الاقتصادية الحادة التي يمر بها بلدنا، وما يمنع البدء بالمعالجة الجدية لهاتين الأزمتين المترابطتين، هي حالة الإنكار المزمن الذي تم التعبير عنه في مناسبات عديدة طوال الاسابيع الماضية.
وازاء هذه الحالة الخطيرة، والمانعة لتفادي الأسوأ سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا لا سمح الله، وجدت أنه من واجبي أن أصارح اللبنانيين واللبنانيات، كما عودتهم دائما، عل في هذه المصارحة مدخلا لتحريك عجلة المعالجات وفتح الباب أمام البدء بالحلول السياسية والاقتصادية الضرورية.
إن حالة الإنكار المزمن بدت وكأنها تتخذ من مواقفي ومقترحاتي للحل ذريعة للاستمرار في تعنتها ومناوراتها ورفضها الاصغاء إلى أصوات الناس ومطالبهم المحقة.
فعندما أعلن عن استقالة الحكومة تجاوبا مع الناس ولفتح المجال للحلول، أجد من يصر أني استقلت لأسباب مجهولة.
وعندما يصر الناس على محاسبة من في السلطة اليوم، وأنا منهم، وتغيير التركيبة الحكومية، وأنا على رأسها، أو بالحد الأدنى تحسين أدائها ومراقبته، يجدون من لا يريد إلا التصويب على من كانوا في السلطة قبل ثلاثين عاما.
وعندما أعلن للملأ، في السر وفي العلن، أنني لا أرى حلا للخروج من الأزمة الإقتصادية الحادة إلا بحكومة اخصائيين، وأرشح من أراه مناسبا لتشكيلها، ثم أتبنى الترشيح تلو الآخر لمن من شأنه تشكيل حكومة تكنو-سياسية، أواجه بأنني أتصرف على قاعدة “أنا أو لا أحد” ثم على قاعدة “أنا ولا أحد”. علما ان كل اللبنانيين يعرفون من صاحب هذا الشعار قولا وممارسة.
وأسوأ الإنكار هو ان من يعرفون كل هذه الوقائع ما زالوا يتحججون تجاه الرأي العام بأنهم ينتظرون قرارا من “سعد الحريري المتردد” لتحميلي، زورا وبهتانا، مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة الجديدة.
ازاء هذه الممارسات عديمة المسؤولية، والعديد من الأمثلة الأخرى التي لا مجال لتفصيلها اليوم، أعلن للبنانيات واللبنانيين، أنني متمسك بقاعدة “ليس أنا، بل أحد آخر” لتشكيل حكومة تحاكي طموحات الشباب والشابات والحضور المميز للمرأة اللبنانية التي تصدرت الصفوف في كل الساحات لتؤكد جدارة النساء في قيادة العمل السياسي وتعالج الأزمة في الاستشارات النيابية الملزمة التي يفرضها الدستور وينتظرها اللبنانيون ويطالبون بها منذ استقالة الحكومة الحالية.
وكلي أمل، وثقة، أنه بعد اعلان قراري هذا، الصريح والقاطع، أن فخامة رئيس الجمهورية، المؤتمن على الدستور وعلى مصير البلاد وأمان أهلها، سيبادر فورا إلى الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة، لتكليف رئيس جديد بتشكيل حكومة جديدة، متمنيا لمن سيتم اختياره التوفيق الكامل في مهمته
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/37QLl2a
via IFTTT
0 comments: