خضر طالب /
كادت الثورة أن تسقط في الفخّ الطائفي، بعد أن قدّم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته تحت ضغط الشارع الذي كان ينادي بأعلى صوته “كلّن يعني كلّن”، فإذا بالشارع يفرغ من الحشود التي انكفأت إلى المنازل، ويكتفي بسقوط الحكومة باعتباره انتصاراً كبيراً.
توالت الدعوات لفتح الطرق واستئناف الحياة الطبيعية، مما شجع وزارة التربية لإعلان فتح الجامعات والمدارس أبوابها فوراً، وجمعية المصارف لفتح أبوابها اعتباراً من يوم الجمعة، وباشر الجيش فتح الطرق في جميع المناطق بهدوء ومن دون اعتراضات تذكر، بينما كان أطراف السلطة يعيشون أجواء فرح وهم يرقصون فوق جثّة الحكومة احتفالاً بتقديمها أضحية للثورة كبش فداء عن نفسها!
لوهلة، بدا أن السلطة السياسية نجحت في القبض على الثورة، أو أن الثورة كانت “عميلة” للسلطة وحقّقت لها هدفها بإسقاط الحكومة، تكراراً لما فعلته “ثورة الدواليب” ضد حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 1992.
ولوهلة أيضاً، بدا أن كل شعارات الوحدة الوطنية التي رفعها المتظاهرون، قد تبخّرت، أو أنها بمثابة فولكلور لبناني، حيث عاد كل منهم إلى بيئته الطائفية للدفاع عن موقعها في السلطة التي كان ثائراً عليها طيلة 14 يوماً.
في المنطق السياسي، فإن سقوط الحكومة هو هدف جيد لانتصار الثورة، وهو سقف طبيعي لنتائج الاحتجاجات الشعبية في كل العالم، على اعتبار أن الحكومة هي السلطة التنفيذية، خصوصاً أن الحكومة في لبنان تضمّ معظم القوى السياسية، وبالتالي فإن سقوطها يحقّق، مبدئياً، شعار المتظاهرين “كلّن يعني كلّن”…
لكن أنصار تيار “المستقبل” شعروا أن رئيس الحكومة سعد الحريري دفع وحده ثمن الاحتجاجات، على اعتبار أن القوى السياسية ستعود هي نفسها إلى الحكومة، سواء بوجوه مكرّرة أو بوجوه جديدة، في حين أنها تحاول إقصاء الحريري أو فرض شروطها عليه.
ونجح جمهور “المستقبل” في تسويق هذه الفكرة سريعاً، خصوصاً أن المتظاهرين في كل المناطق غادروا الشارع وكأنهم حصلوا على مطالبهم وحققوا شعاراتهم.
فجأة اختفى المتظاهرون من الشوارع: الشيوعيون واليسار و”القوات اللبنانية” والمجتمع المدني والتسميات الجديدة التي لم يحفظ إسمها اللبنانيون بعد… والمطابخ الميدانية والأعمال التطوعية وأجهزة الصوت وحلقات النقاش… وحتى أجهزة النقل المباشر لمحطات التلفزيون!
والذي زاد في احتقان جمهور “المستقبل”، بعض التغريدات لنواب من “القوات اللبنانية” ترفض التصويب على رئاسة الجمهورية، ما أدى إلى مزيد من التعاطف مع الرئيس الحريري في الشارع السني الذي شعر بطعنة في الظهر، حيث أنه كان رأس حربة في الثورة ضد كل الطبقة السياسية، وكان الزخم الأكبر في التحركات الشعبية، وهو ما ترجمته التظاهرات الضخمة في طرابلس وعكار وبيروت وصيدا والناعمة والبقاع الغربي، فإذا به “يضحّي” بممثّلة في تركيبة السلطة من أجل بقاء الآخرين!
وفي ظل فراغ الشارع، اجتاح جمهور “المستقبل” الساحات والشوارع في بيروت وطرابلس وعكار وصيدا وبرّ الياس… حتى بدا أن “الثورة” انقلبت على نفسها وأعطت تفسيراً جديداً لشعارها “كلّن يعني كلّن” الذي كان من أجل رحيل “كلن يعني كلن”، وأمسى يعني بقاء “كلّن يعني كلّن”!
وعلى مدى ساعات، تغيّر وجه الثورة… من ثورة وطنية إلى “ثورة سنّية”!
استدركت الثورة نفسها بعد ساعات، وتنبّهت قيادات الحراك الشعبي إلى خطورة انحراف الثورة واقتصارها على طائفة، فنزلت إلى الشارع مجدداً، لتنضمّ إلى الجمهور الغاضب.. لكن الهدف الفعلي هذه المرة مختلف: تشكيل حكومة تكنوقراط، مع أغلبية تطالب بتسمية الحريري رئيساً للحكومة العتيدة…
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/36kUlvI
via IFTTT
0 comments: