في 10 تشرين الأول الحالي، التقى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل عل مدى 7 ساعات متواصلة.
في ذلك الاجتماع، أوحى باسيل بوجود خلافات كبيرة مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وحاول إقناع نصر الله بتغيير الحكومة، وتسمية رئيس جديد يخلف الحريري. طرح باسيل بشكل رئيسي الوزير السابق محمد الصفدي كمرشح أول لرئاسة الحكومة، وقدم مطالعة طويلة حول وصول الحكومة الحالية إلى الأفق المسدود، وحول عدم تجاوب الحريري مع الطروحات الإصلاحية التي يقدّمها.
وعلى مدى ساعتين من أصل 7 ساعات، كان موضوع تغيير الحكومة هو العنوان الرئيس، لكن باسيل فشل في إقناع نصر الله بتغيير الحريري، حيث شرح الأمين العام لـ”حزب الله” الأسباب الموضوعية التي تفترض أن الحريري هو اليوم الخيار الأفضل لرئاسة الحكومة في ظل التحديات الكبيرة المقبلة على لبنان، وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، فضلاً عن شبكة العلاقات الدولية التي ينسجها الحريري، ومؤتمر سيدر الذي يشكّل محطة مهمة للبنان.
لم يُعرف يومها ما إذا كان اقتراح باسيل بتغيير الحريري منسّقاً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أم لا. في اليوم التالي، تسرّبت بعض الإشارات حول فحوى اقتراح باسيل الحكومي، وهو ما أثار حفيظة الرئيس الحريري الذي كتم انفعاله. كما أثار الاقتراح غيرة كثير من الطامحين الذين ينتظرون خروج الحريري من السراي الحكومي ليدخلوا مكانه. صدرت إشارات وتحرّكت الرسائل والعروض و”تجديد” أوراق الاعتماد من الرئيس تمام سلام والنائب نهاد المشنوق وغيرهما. أما الرئيس فؤاد السنيورة فقد كان يعلم مسبقاً أن لا مكان له في ظل الواقع السياسي الحالي. لكن الرئيس نجيب ميقاتي كان الأكثر انفعالاً، نظراً لحساسية علاقته مع الصفدي، فأرسل العديد الإشارات التي تتضمّن “تحديث” أوراق اعتماده. وعندما تبيّن له وجود فيتو على إسمه، رفع سقف مواقفه ضد العهد وباسيل، وشن حملة في السرّ لتشويه صورة الصفدي وقطع الطريق عليه.
بعد أيام، التقى نصر الله رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، في ما بدا أنه مسعى لرأب الصدع بينه وبين باسيل، وحماية العهد، لأن في ذلك حماية للمقاومة. كما كان عنوان تغيير الحكومة مطروحاً على طاولة النقاش، حيث أبلغ نصر الله ضيفه بمضمون اقتراح باسيل وبجوابه على الاقتراح.
بعد ذلك بيومين، انطلقت انتفاضة اللبنانيين ضد السلطة والطبقة السياسية من شرارة ضريبة الـ”واتس آب”.
طُويت فكرة “الإنقلاب” على الحريري، وضمناً تغيير الحكومة، خصوصاً بعد أن شكّلت انتفاضة 17 تشرين الأول تحدياً مباشرة لكل الطبقة السياسية، وخصوصاً لأطراف السلطة، وعلى وجه التحديد للعهد، ثم لـ”حزب الله”. حينها تمسّك الجميع بالحكومة باعتبارها خط الدفاع الأول والأساسي عن العهد. وعندما ترنّحت الحكومة بمحاولة استقالة وزراء “الحزب التقدمي الإشتراكي” و”القوات اللبنانية”، نجحت الضغوط في ثني وليد جنبلاط عن استقالة وزراء “الإشتراكي”، وفك الارتباط بينه وبين سمير جعجع في موضوع الاستقالة، فخرج وزراء “القوات” من دون أن يؤدي ذلك إلى تهديد مصير الحكومة.
مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في الشارع، وصولاً إلى تقطيع أوصال البلد، وتنفيذ العصيان المدني، وفشل الورقة الإصلاحية في تخفيف اندفاعة المتظاهرين بمواجهة السلطة، بدأ سعد الحريري يدرس فعلياً إمكانية استقالة الحكومة لتشكيل حكومة جديدة مصغّرة، أو إجراء تعديل وزاري، وقد فتح رئيس الجمهورية العماد عون كوة في الجدار المقفل أمام نقاش مصير الحكومة، فضلاً عن أن السيد نصر الله كان أيضاً فتح كوة صغيرة لإجراء تعديل وزاري عندما حدّد في كلمته الثانية لاءات تتعلق بإسقاط العهد وبالانتخابات النيابية، وميّز موقفه بالنسبة للحكومة عندما قال “لا نوافق على تغيير الحكومة”.
انطلق النقاش بين الرئيس الحريري والرئيس عون، وكذلك مع القوى السياسية، بشأن مصير الحكومة.
يومها سأل الحريري “حزب الله” أنه في حال استقال فهل سيسمّيه الحزب مجدداً لتشكيل حكومة جديدة؟ وجاء جواب الحزب كالتالي: نحن حريصون على بقائك في رئاسة الحكومة الحالية، أما في حال استقالتك فلا ضمانة بأننا سنؤيد تكليفك مجدداً.
أما في النقاش مع الرئيس عون، فلم يطرح الحريري هذا السؤال مباشرة على رئيس الجمهورية، لكنه تبيّن له أن عون وضع خطّاً أحمر على النقاش في أي تعديل وزاري يشمل باسيل. وعندما طرح تشكيل حكومة جديدة، وضع عون معادلة “وحدة المعايير” لحماية باسيل عبر ربط وجود الحريري في رئاسة الحكومة بوجود باسيل. وحدّد أن حكومة الـ”تكنوقراط” من غير السياسيين تعني أن رئيس الحكومة يجب أن يكون أيضاً من فئة الـ”تكنوقراط”. وأن فصل النيابة عن الوزارة في الحكومة يشمل أيضاً رئيس الحكومة. وبذلك قطع عون الطريق على الحريري لتعديل وزاري يشمل باسيل، وكذلك لتشكيل حكومة من دون باسيل.
على مدى ثلاثة أيام، لم تنجح الاتصالات في إحداث أي تقدّم حقيقي في المشاورات، فقرّر الحريري الاستقالة بعدما ابلغ “حزب الله” مساء الإثنين، والرئيس نبيه بري صباح الثلاثاء.
الرقيب
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2JzqRAM
via IFTTT
0 comments: