Thursday, August 8, 2019

لماذا تحذر السعودية من “تسييس” الحج ومطالبة ضيوفها بالعبادة فقط وترك السياسة حتى العودة إلى بلدانهم؟.

تَحرِص السلطات السعوديّة فيما يبدو هذا العام، على رفع شعار عدم تسييس موسم الحج، بل وتّحذّر الأخيرة الحجّاج من تسييس الحج، ويُؤكّد إمام الحرم المكّي عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس أنّ الحج ليس ميداناً للصراعات السياسيّة ولا لرفع شعارات الطائفيّة التي تُفرّق المُسلمين.

أمير مكّة الأمير خالد الفيصل هو الآخر مُتوجّسٌ فيما يبدو من “تسييس” الحج، فالمُقبلون على الموسم، يأتون من دول عديدةٍ تجمعها خلافات مع العربيّة السعوديّة، وقال الفيصل مُخاطباً الحجّاج: “أنتم هنا للحج والعبادة، وطالبهم بأن يؤدّوا حجّهم بعبادةٍ تامّة”، وليتركوا كُل الأمور الأخرى في بلادهم عندما يعودون يُناقشونها مع بلادهم، أمّا الحج فللعبادة فقط.

مدى استجابة الحجّاج إلى الدعوات الرسميّة بعدم تسييس الحج، يعود إلى الحجّاج ذاتهم، وهو أمر كما يرصد مراقبون خارج نطاق سيطرة الدولة في بعض جوانبه، فالمظاهر المذهبيّة، والطائفيّة، والسياسيّة لها مظاهر عديدة في الحج، فالدعاء على حاكمٍ عربيٍّ ما، أو تأييد خط سياسي مُعيّن تُعارضه المملكة، غاية بالسهولة، فالحاج قد يلجأ على سبيل المثال إلى رفع ورقة وفي خلفيتها تظهر الكعبة، يدعو فيها للرئيس الراحل محمد مرسي، وهو الرئيس الإسلامي الذي باتت المملكة تُصنّف حركته الإخوان المُسلمين بالإرهابيّة، كما أنها تُقاطع قطر على ذات خلفيّة دعمها للحركة المذكورة، وهو مشهد يُسيّس الحج بشكلٍ أو بآخر.

السلطات السعوديّة قرّرت هذا العام أن تذهب باتّجاه موسم خالٍ من “التسييس”، لكن مُنتقدون لسياساتها يقولون إنّ تلك السلطات عبر الأعوام الماضية، هي المسؤولة عن جنوح الحجّاج عن عبادة ربّهم، ورفع شعارات سياسيّة، فهي من غضّت الطرف على الحجّاج المُؤيّدين مثلاً للثورة السوريّة بسماحها برفع شعارات مُناهضة للدولة السوريّة، أو الداعمين لحربها على اليمن، هذا عدا عن حوادث الكوارث، والتدافع التي قيل أنها مُتعمّدة، والتي حلّت بوفود حجاج بعينهم، وحادثة تدافع منى التي جرى فيها توجيه الاتّهامات للسلطات السعوديّة بالتقصير، مما أدّى إلى حدوث ذلك التدافع المُميت، وفقدت إيران أكثر من 464 من مُواطنيها على إثره، وكان الحادث قد سبقه حادثة سقوط الرافعة في المسجد الحرام، والتي أودت بحياة 109 أشخاص على الأقل.

سمعة العربيّة السعوديّة كما يرصد المراقبون، كانت قد تضرّرت كثيراً بفعل حربها على اليمن، ومُقاطعتها لقطر، وقضيّة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، هذا عدا عن تسريبات دعمها لصفقة القرن المُتعلّقة بالقضيّة الفلسطينيّة.

كُل هذه القضايا، هذا عدا عن خلافها مع إيران، هذه كلها قد تجعل السعوديّة في مُواجهة تحسين السمعة مع العالم، أو مع الحجّاج المُستائين منها، أقلّه في موسم الحج الذي تُشرف عليه منذ سنوات، وبصفتها كما تُعرّف نفسها كقائدة العالم الإسلامي، وتُباهي سُلطاتها بأنها الأقدر على تنظيمه، واستقبال مئات الآلاف من الحجّاج القادمين من كُل فجّ عميق، وهي سمعة يقول معارضون أنها تآكلت بفعل الإدارة المُسيّسة التي رافقت العهد الحالي، وعدم منح تأشيرات حج للقطريين، واليمنيين من الطرف الحوثي، وغيرهم من دول لا تتوافق مع قيادة المملكة سياسيّاً، وهو ما تنفيه السلطات السعودية، وتُؤكّد أنها قرارات لها علاقة بالأعداد المسموح بها لكل بعثات الحجّاج، حتى تتجنّب كوارث التدافع، التي تراجعت بفعل التوسعات التي تجري في الحرم.

حِرص المسؤولين السعوديين على تكرار تحذيرات عدم تسييس الحج هذا العام، وعلى لسان شخصيّات لها وزنها مثل إمام الحرم، وأمير مكّة، كما والإعلام المحلّي الذي حذّر في مقالات وتقارير عديدة من تسييس الحج وتحديداً السياسي والطائفي منه، حتى منصّات التواصل الاجتماعي هي الأخرى عجّت بوسوم مُتصدّرة، حملت عناوين كثيرة مثل “لا لتسييس الحج”، ولعلّه من المُفيد التذكير أن منصّة “تويتر” تحديداً باتت تُعبّر عن رأي السلطات، بفرض اتّهامات سيطرة الجيوش الإلكترونيّة (الذباب الإلكتروني) عليها ووسومها المُتصدّرة، على حد قول مُعارضين.

كُل هذا يشِي كما يرى مُتابعون لحالات تشكيل الرأي العام في المملكة، وتقديمها باستباق التصريحات، وتطويع الإعلام والمنصّات التواصليّة الافتراضيّة، يشي ربّما ليس فقط الأمور السياسيّة المُتعلّقة بالبلاد الأخرى، بل والخشية من رفع الحجّاج شعارات مُناهضة للدولة السعوديّة ذاتها هذه المرّة، وربّما بطابع التداول الافتراضي، وخاصّةً أنّ بعض هؤلاء الحجّاج يُحمّلون المملكة، مسؤوليّة الفوضى، أو الخلاف السياسي الذي افتعلته الأخيرة مع سُلطات بلاد الحجّاج، ولا يمنعهم رفع أوراق تُدين الحرب في اليمن، أو حتى تراجع الدعم السياسي السعودي للقضيّة الفلسطينيّة على سبيل المثال، ودون إظهار وجوههم، في حالة اعتراضيّة، لا يُمكن للسلطات ضبْطها، خاصّةً أنّنا نتحدّث عن ملايين الحجّاج 1.8 مليون حاج وصلوا حتى الآن، والذين يحملون أجهزتهم الخلويّة، ويتمتّعون بخدمات الإنترنت، وإمكانيّة التوثيق بكاميرا الهاتف المحمول لحظةً بلحظة.

مُوالون للدولة السعوديّة، ومن بينهم صحافي سعودي يقولون إنّ حكومة بلادهم ليست في وارد اتّهامات التسييس للحج التي تطالها، وهي اتّهامات يقول إنّها في إطار الحرب الإعلاميّة والنفسيّة التي تشنّها إيران وتركيا وقطر على المملكة، والإيحاء بأنّها تستهدف حملاتهم وبعثاتهم للحج، ويضرب الصحافي السعودي مثالاً على ما يقول أنه ينفي الاتّهامات لبلاده بتسييس الحج، وباعتراف الإعلام الإيراني، الذي نقل عن استقبال السلطات السعوديّة للحجّاج الإيرانيين الذين وصل عددهم إلى أكثر من 52 ألف منذ 13 يوليو، لأداء فريضة الحج بالورود والحلويات عند دخولهم المدينة المنوّرة، بالرغم من الخلافات السياسيّة التي تشهدها البلدين، وهو الاستقبال الذي وصفته صحيفة “الشرق الأوسط” السعوديّة اللندنيّة، بالتعامل، والاستقبال المُميّز.

لكن في الضفّة المُقابلة، يرى نشطاء أن ذلك الاستقبال الذي حظي به الحجّاج الإيرانيّون، يأتي ضمن حملات تجميل صورة المملكة للعالم الخارجي، وتحسين سُمعتها، وحرصها تحديداً على مُرور موسم الحج بشكلٍ ناجحٍ، بعد ما شهد في الأعوام الأخيرة كوارث دمويّة، وتجنيبها حتى افتعال مشهد اعتراض “مُسيّس” يخرج عن السيطرة، وأمام عدسات التلفزة.

في موضعٍ آخر، وفي ظل دعوات المملكة لعدم تسييس موسم الحج، والتفرّغ للعبادة الكاملة، وتأكيد اللواء منصور بن سلطان التركي المُتحدّث باسم وزارة الخارجيّة، على حماية أمن الحرمين والحجّاج المبني ليس فقط على التهديدات، بل وعلى الاحتمالات، يجري الحديث عن “تسييس” اتّبعته السلطات السعوديّة بحق فلسطينيي سوريا، حيث منعتهم من الحج.

وبحسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، فإنّ السعوديّة قد حرمت الفارين من فلسطينيي سوريا إلى لبنان، من أداء فريضة الحج، وبحسب تقرير منشور بالموقع، فقد تم إبلاغ 70 فلسطينيّاً تزيد أعمارهم على 70 عاماً، برفض طلباتهم للحج، وبينما حصلوا على مُوافقات مبدئيّة بالحُصول على تأشيرة، تم إبلاغهم من قبل وكلاء السفر برفض سلطات المملكة، وكان الموقع ذاته قد كشف عن حملة سعوديّة حرمت ثلاثة ملايين فلسطيني، في كُل من إسرائيل والقدس، والأردن، من أداء الحج والعمرة، ولم يصدر عن السلطات السعوديّة أيّ تعليق أو نفي حول الموضوع، وهو ما يُعيد اتّهامات التسييس للحج التي تُمارسها السلطات تجاه الحجّاج بحسب جنسيّاتهم، بالرّغم من دعواتها وتحذيراتها هذا العام إلى عدم تسييسه.

وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، كشف وزير الحج والعمرة محمد بنتن عن وصول حجّاج من دولة قطر إلى الأراضي السعوديّة، وصدور أوامر القيادة بتسهيل كل أمور الحجاج القطريين، وأنّ باستطاعتهم القدوم من مطاريّ الملك عبد العزيز في جدّة، والأمير محمد بن عبد العزيز في المدينة المنورة، كما يستطيعون حجز الخدمات كافّة التي يرغبون فيها تقنيّاً، وهو بذلك عمليّاً يحاول التأكيد على عدم تسييس بلاده الفِعلي للحج، وسماح قيادته للقطريين بالحج، وتسهيل حصولهم على الخدمات، وإنجاز الإجراءات، حيث واجهت المملكة اتّهامات سابقة، تقول بأنها تعمّدت حرمان بعثات الحج القطريّة من أداء المناسك، بعد الأزمة التي اندلعت بين دول المُقاطعة السعوديّة، الإمارات، البحرين من جهة، وقطر من جهةٍ أخرى، وعلى خلفيّة تصريحات منسوبة للأمير تميم بن حمد انتقد فيها بشدّةٍ الدول المذكورة.

ورُغم التّأكيدات السعوديّة على تسهيل الحج للقطريين، وفصلها بين الأزمة مع قطر، وحجّاجها، قالت اللجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان بقطر بأنّ 168 انتهاكاً سُعوديّاً لحُقوق القطريين سُجّلوا في مُمارسة الشعائر الدينيّة، بالإضافة إلى عدم وجود رحلات جويّة مباشرة، وتواصل إغلاق الحدود أمام البعثات القطريّة، وعدم وجود بعثة قطريّة تتولّى شُؤون الحُجّاج، وترعى مصالحهم، وهو ما تنفيه السعوديّة بإعلانها وصول الحجّاج القطريين، ونفي بالتّالي اتّهامات تسييس حجّهم.

أمام هذه التّناقضات، وتبادل الاتّهامات، والتحذيرات، بتسييس موسم الحج، من عدمه، وتحميل المسؤوليّة للسلطات السعوديّة، من عدمها، يقول مراقبون إنّ إخراج الصورة الروحانيّة لشعائر الحج، واقتصارها على مشاهد التعبّد، وصلة العبد بربّه، منوطٌ بكل الأحوال بالمسؤولين عن إدارة الحج، وكُلّما عادت هذه الإدارة إلى الجمْع الإسلامي، وإرادة الأمّة، وتَطلّعاتها، لن يكون هُناك من ثَغَرات للتّسييس، سواء من اتّهامات تطال السلطات السعوديّة، أو المُتربّصين بها للإضرار بسُمعتها الإسلاميّة، وشرعيّة قيادتها المُستمدّة من خدمة الحرمين الشريفين، وأوّل البشائر في هذا السّياق، استقبال الإيرانيين بالورود، ولعلّ الدور يأتي على البقيّة، يقول مُتفائلون.

أخبار المملكة

المصدر: راي اليوم



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2TgCL62
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل