
أُثيرت قضية مزارع شبعا إبتداءا” لجهة إعتبارها أرضا” لبنانية”، بعد إنسحاب العدوّ الإسرائيلي عن لبنان في أيار من العام 2000، مُستخدما” قناعا” قانونيّا” وهميّا”، لتبرير الإنسحاب هو التّذرّع بتطبيق أحكام القرار رقم 425 الصّادر عن مجلس الأمن الدولي في الرّابع عشر من شهر آذار لعام 1978، كي لا يظهر منهزما” ومنكسرا” تحت وطأة عمليات المقاومة العسكريّة كما هو معلوم.
وبفعل هذا الإندحار، كان لابد من تحديد خطّ الإنسحاب برعاية أمميّة، وهو ما عُرف إصطلاحا” بالخط الأزرق والذي يختلف بطبيعته القانونيّة عن ترسيم الحدود الدّوليّة، للتأكّد من مدى إكتمال إنسحاب قوّات العدوّ الإسرائيلي عن كامل الأراضي اللّبنانيّة ومنها القرى السبع ومزارع شبعا، وتلال كفرشوبا وغيرها.
وفي سياق إعداد الأمين العام للأمم المتّحدة لتقريره عن تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 425 و 426الصّادرين في العام 1978، قدّمت الحكومة اللّبنانيّة ملفّا” مشفوعا” بجميع المستندات والخرائط والمذكّرات المتبادلة مع الحكومة السّورية، التي تقود جميعها إلى لُبنانيّة مزارع شبعا التي بقيت محتلّة، وبالنّتيجة، رفع أمين عام الأمم المتّحدة آنذاك “كوفي آنان” تقريره إلى مجلس الأمن الدّولي، مشيرا” إلى ما أبرزته الحكومة اللبنانيّة من مستندات، وإلى موقفها القانوني والسّياسي، كما وثّق تقرير الأمين العام موقف الحكومة السورية المؤيّد للمطالب اللبنانية، ما شكّل إقرارا” رسميّا” صريحا” وحجّة قانونيّة يُعتد بها، وقرينة عن عدم وجود أي نزاع حدودي بين لبنان وسوريا من ناحية المزارع.
وبالطّبع، لم يعترِ الموقف اللّبناني الرّسمي أيّ لُبس، وقد إتّخذت هيئة الحوار الوطني التي ضمت كلّ الأطياف السّياسة اللبنانية موقفا” صريحا” بشأن إعتبار مزارع شبعا أراضي لبنانيّة يجب تحريرها من الإحتلال بشتّى الوسائل، لينعكس هذا الموقف في الوثائق الدّستورية من خلال البيانات الوزاريّة للحكومات المتعاقبة منذ عام 2006 ولغاية تاريخه، إلى أن نطق مؤخّرا” أحد السّياسيين، بموقف مشكّكٍ بلُبنانيّة مزارع شبعا، ومقام الدّراسة الرّاهنة، وهي قانونيّة بحتة، تمنعنا من البحث في أهداف وخلفيّات هذا الموقف، وأثره في مستقبل الصّراع العربي مع العدوّ الإسرائيلي، بل سنكتفي بالحديث عن آليّات ترسيم الحدود بين الدّول والعوامل المساعدة في ذلك، والمستندات المودعة لدى الأمم المتّحدة، وموقف الحكومة اللّبنانيّة والحكومة السّورية، لإستخلاص النّتائج القانونيّة وتحديد صاحب السّيادة على مزارع شبعا، وما إذا كانت متممة لمساحة الجمهوريّة اللّبنانية أو غير ذلك، والوثائق التي تحدّد الهويّة اللّبنانية هي وثائق متعدّدة، منها ما هو أحادي الجانب أي صادر عن الحكومة اللبنانية أو عن الحكومة السّورية، ومنها ما هو أُممي أو صادر عن دول الإنتداب.
ولابدّ من الإشارة، إلى أن أهمّ معايير تخطيط الحدود السّياسية بين الدول هي المعيار الطّبيعي لناحية التّضاريس، والمعيار الهندسي لناحية شكل الحدود، والمعيار الإتفاقي بين دولتين معنيّتين، وإذا طُبّق أي من هذه المعايير على الحدود الشرقية الفاصلة بين لبنان وسوريا، وفي ظلّ غياب أي منازعة سورية بشأن ملكية الدولة اللبنانية لمزارع شبعا، تسقط مقولة أن عدم الترسيم يحول دون اعتبار المزارع لبنانية، لافتين إلى أن الإتّفاق على الحدود عند وجود نزاع يستوجب أربع مراحل، وهي التعريف والإتفاق، ثمّ التحديد والإدارة، ولا حاجة لهذه المراحل في حالتنا لعدم وجود منازعة أصلا”.
وبداية”، سنعرض المستندات التي تحوزها الجمهورية اللبنانية والموقف اللبناني بشأن لُبنانية مزارع شبعا، ثمّ سوف نبيّن ما ورد في التقرير الأممي رقم 460/2000/ ، وأخيرا” الموقف السّوري الخطّي والإعتراف الصّريح بلُبنانيّة مزارع شبعا.
تملك الحكومة اللبنانية العديد من الوثائق والمستندات الرّسمية التي تبيّن أن مزارع شبعا البالغة مساحتها ما يزيد عن 45 كلم2 ويقطنها مواطنون لبنانيون، هي أراضٍ لبنانية، ومن هذه الوثائق على سبيل المثال لا الحصر:
- سندات تمليك وشهادات قيد صادرة عن الجمهورية اللبنانية، محافظة الجنوب، دائرة صيدا العقارية، والخرائط الموّدعة في دائرة المساحة في صيدا، تبيّن أن العقارات الكائنة في مزارع شبعا تتبع عقاريا” إلى الجمهورية اللبنانية، ومن المعلوم أن مساحة لبنان تبلغ (10452)كلم2، لا تكتمل هذه المساحة إلا بإحتساب مساحة المزارع وبإحتساب مساحة القرى السّبع وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الفجر وغيرها.
- قيود وسجلّات الأحوال الشّخصية لدى وزارة الدّاخليّة اللبنانيّة وقوائم الشّطب التي تبيّن أن سكان هذه المزارع يحملون الجنسيّة اللبنانية وينتخبون في لبنان.
- المذكّرة الموجّهة من الحكومة اللبنانية الى الحكومة السورية في العام 1946 بشأن تصحيح الأخطاء المادية في ترسيم الحدود ، والمذكرة الجوابية من الحكومة السورية في حينه رقم (ق 574/ 53/124) تاريخ 29أيلول 1946، التي خلصت إلى إجابة طلب الحكومة اللبنانية وأن المزارع هي لبنانية، ثمّ تمّ تأليف لجنة مشتركة لبنانية-سورية برئاسة وزير الدفاع وقتذاك الامير مجيد ارسلان خلصت إلى اعتبار مزارع شبعا جزءا” من الجمهورية اللبنانية يحدها من الشرق وادي العسل،
إضافة إلى الوثائق الرّسمية اللبنانية، فإن المواقف الرسمية التي تمثّلت بقرار لجنة الحوار الوطني التي خلصت في العام 2006 أن المزارع لبنانيّة بعد دراسة الخرائط والمستندات، والتي تكرست دستوريّا” في البيانات الوزاريّة منذ 2006 ولغاية تاريخه، حيث ورد في البيان الوزاري الأخير ما يلي:
“أما في الصراع مع العدو الإسرائيلي فإننا لن نألو جهدا” ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من “أراضٍ لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثروتنا الطبيعية وذلك استنادا” “الى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة “على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، بشتى “الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للإحتلال الإسرائيلي ورد “اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة.
أما بشأن ما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتّحدة المقدّم إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22/5/2000 لاسيّما في الفقرات/14/15/16، لجهة موقف الحكومة اللّبنانيّة، حيث أبلغت
مبعوث الأمين العام أن لبنان يطالب بالإنسحاب من مزارع شبعا كأراضٍ لبنانيّة، وقدّمت المستندات، وللأمانة العلميّة سأدرج حرفية ما ورد في الفقرة 16 لأهميّتها:“وقد قامت حكومة لبنان، بعد ذلك، بتزويد الأمم المتّحدة بشهادات الملكية اللبنانية لأراض زراعية “واقعة في تلك المنطقة، وبوثائق تبين أن المؤسسات الحكومية والدينية اللبنانية مارست سلطات قضائية، “في أوقات مختلفة، على هذه المزارع. وقامت حكومة لبنان بإبلاغ الأمم المتحدة بوجود تفاهم مشترك “بين لبنان والجمهورية العربية السورية بأن هذه المزارع لبنانية، وشمل ذلك قرارا للجنة لبنانية-سورية “مشتركة “خلص في عام 1964 إلى أن المنطقة لبنانية، وأن الحدود الدولية ينبغي أن يعاد رسمها وفقا” “لتلك النتيجة. وفي حديث هاتفي معي جرى في 16/أيار/مايو/2000، ذكر وزير الخارجية السوري، “السيد الشرع”، أن الجمهورية العربية السورية تؤيد المطالبة اللبنانية.”
ولا مندوحة من القول أن الجمهورية العربية السورية لم تنفِ ما ورد التقرير لجهة إقرارها بأحقيّة مطالب الدولة اللبنانية بل على العكس، عادت الحكومة السورية وأكّدت بتاريخ 21 تشرين الثاني 2005 في برشلونة، مكان إنعقاد القمّة الأورومتوسّطية، حيث أعلن وزير خارجية سوريا الأسبق “فاروق الشرع” لُبنانيّة المزارع.
إستنادا” إلى ما تقدّم، تكون مزارع شبعا أرض لبنانية، وأن إحتلالها عام 1967 هو الذي دفع بالأمم المتّحدة إلى إخراجها من دائرة القرار 425 الصّادر عام 1978، وإخضاعها إلى قرارات أممية أخرى، إلا أن هذا الموقف لا يغيّر من لُبنانية مزارع شبعا.
الدّكتور محمد غالب حيدر
from شبكة وكالة نيوز http://bit.ly/2HSlRFD
via IFTTT
0 comments: