Tuesday, March 10, 2015

من «بوكو حرام» إلى «داعش»… واكتمال حلقة «الفوضى الخلاقة»!!..

خالد العبود
العالم العربي إضافة إلى جنوب القارة الأفريقية منطقة يجب فهمها جيّداً، ويجب التوقف عندها مليّاً، خصوصاً إذ ما تمّ تناولها بمستوى خزانيّ كلّ من الطاقة والعنصر البشري
لهذا كانت تمثّل حدائق خلفية لجملة واسعة من التطلعات التي شغلت أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، بالمعنى الذي جعلها من الأهداف الرئيسية لها خلال العقود الماضية.
إنّ صعود الدولة الوطنية في تلك المنطقة بعيداً عن ملاحظاتنا عليها، شكلاً ومضموناً، أو موقفنا منها، سلباً أو إيجاباً، جعلها تحاكي جملة من التطلعات والرؤى لأبنائها، وجعل منها عامل استقطاب أساسي في مشهد واسع نالته جملة من التجاذبات، باعتبار أنّ التحديات التي كانت تواجهها كبيرة جداً، منها ما هو عالق من حقب استعمارية، ومنها ما هو ناشئ وصاعد يحاول اللحاق بجملة إنجازات حققتها شعوب أخرى على مستوى العالم.
هناك حقيقة موضوعية تقول بأن صعوداً في قدرة مكونات هذه المنطقة كان واضحاً خلال تلك الحقبة، وهو حلم ليس جديداً وإنما له جذوره الممتدة تاريخياً، من خلال البحث والعمل المستمر عن مواقع متقدمة لها على مستوى المنطقة والعالم، إضافة إلى كون أنّ هذه المكونات أضحت قادرة على فهم معادلة حماية الحقوق الذاتية والدفاع عنها، وهذا كان واضحاً نتيجة ثورات عدة حصلت في كثير من كياناتها، الأمر الذي دفع باتجاه بروز وحضور الدولة الوطنية.
لقد نجحت الدولة الوطنية إلى حدّ بعيد في ترسيخ جملة مفاهيم شكلت عائقاً في استغلال كامل هذه الجغرافيا من قبل الغير، علماً أنّ غالبية المشهد السياسي الجغرافي أعدته ذات القوى الاستعمارية التي أرادت السيطرة على المنطقة من أجل نهبها، ولم تعدّها من أجل قيام الدولة الوطنية عليها، الدولة التي أضحت في أجزاء واسعة منها تدافع عن حقوق شعوب أبنائها، وهو ما حال دون مرور مشروع السيطرة عليها بالشكل الذي رسمت له.
لقد كان الشغل الشاغل لقوى رأس المال العالمي في كيفية سيطرتها على هذه المنطقة، حيث اتبعت سيناريوات عدة، فحاربت ثورات الشعوب، ووقفت في وجه الأنظمة الوطنية، وأعدت انقلابات عدة ضد هذه الأنظمة من أجل استبدالها، ودفعت قوى عميلة لها للسيطرة على دولة هنا ودولة هناك، واستحدثت أشكالاً جديدة من أنظمة الحكم التي تحاكي مشاريع هيمنتها عليها، واستعادت أشكالاً لأنظمة لها علاقة بقرون ساحقة، ودعمتها وسوّقتها على أنّها تمثل واقعاً موضوعياً، كلّ ذلك من أجل السيطرة على هذه الجغرافيا، السيطرة التي تؤدي أخيراً إلى نهبها.
لم يكن مفهوم «الفوضى الخلاقة» مفهوماً نظريّاً ترفيّاً ركزت عليه عقول مفكرين وسياسيين يمثلون سلطات تريد السيطرة على المنطقة، ثم إدارتها بالطريقة التي تناسب هذه السيطرة وتؤدي أخيراً إلى نهبها، كون أنّ مشروع تقسيم هذه الجغرافيا أدى أخيراً إلى قيام أنظمة سياسية ساهمت في استقرارها، ووضعها إلى حدّ بعيد على طريق إمكانية أن تكون حاضرة ومنجِزة، وكلما كانت كذلك، أو ذهبت إلى هذا المعنى، كلما دفعت بإمكانية الاستغلال عنها، أو إمكانية إلحاقها بتلك القوى.
هنا يتضح أكثر فأكثر المعنى الحقيقي «للربيع العربي»، وعلينا أن نلاحظ هنا عنوان «الربيع العربي»، إذ لم يكن ربيعاً أفريقيّاً أو ربيعاً آسيويّاً، وإنما التركيز على كونه «عربيّا»، والذي يعني أخيراً إيجاد معادلة «الفوضى» التي احتاجتها الإدارة الأميركية تاريخيّا، فهي لم تعد بحاجة إلى عامل الاستقرار الذي أنتجته مشاريع تقسيم شركائها للمنطقة، كونها لم تساعد بالشكل الكافي على السيطرة المطلقة على المنطقة، باعتبار أنّ هذه السيطرة بقيت مكلفة، وهي كلفة مادية ومعنوية يمكن لها أن تزداد مستقبلاً، وهو ما لا تريده هذه القوى المستكبرة.
كان مرسوماً «للربيع العربي» أنّ يأخذ دولاً عربية بعينها إلى «الفوضى»، وهي التي سوف تساهم في إسقاط الدولة الوطنية وإضعافها وإشغالها داخلياً، الأمر الذي سيوفّر إمكانية السيطرة عليها، والعبث بها، والحيلولة دون قدرتها على الدفاع عن ذاتها، وإخفاقها أخيراً في تأدية ما تريده شعوب المنطقة، من أجل السيطرة عليها بعيداً عن الزيادة المضطردة في الكلفة المادية والمعنوية لهذه السيطرة.
غير أنّ «الربيع العربي» واجهته قوى منعته من أن يصل إلى ما أراده أصحابه منه، بمعنى أنّه لم يستطع هؤلاء من أن يفرضوا معادلة «الفوضى»، فكان لا بدّ «للفوضى» من أن تكون من خلال سيناريو متجدّد من قلب المعركة والعدوان ذاته، حيث كان مطلوباً أن يتم البحث عن صيغ ناشئة تدفع باتجاه ما كان مطلوباً من هذا «الربيع»، فكان التركيز على «داعش» باعتبارها صيغة متقدمة جداً لتكريس هذا المعنى ونعني به «الفوضى»!.
«الفوضى» بهذا المعنى ستساهم في المفهوم الرئيسي المشغول عليه منذ سنوات، ونعني به «الفوضى الخلاقة» الذي سيؤسس لحالة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، قادرة على أن تعيد إنتاج الواقع الذي سيُدفع له العالم العربي.
لم تكن «الفوضى» بهذا المعنى بعيدة عمّا كان يحصل في الجزء الأفريقي غير العربي، فقد كانت «بوكو حرام» جاهزة لإخراج باقي جغرافيا المنطقة من حالة استقرارها، كي تحاكي فعل «فوضى» آخر يحصل في منطقة أخرى، الأمر الذي دفعها كي تبايع «الخليفة الداعشي»، وكي تكون أدوات «الفوضى» على خطّ واحد، فتفتح إمكانيات سيناريوات مرشحة جداً لأيام مقبلة.
إنّ التحالف بين «داعش» و«بوكو حرام» يمكن أن يكون مفتوحاً على سيناريوات عدة، ويمكن أن يكون مفتوحاً على حسابات مختلفة، أهمها أنّ حكومات المنطقة ذاهبة إلى حالات من الإضعاف والإشغال، وبالتالي إلى تبديل أولوياتها وفي بحثها عن عناصر القوة التي تمنحها إمكانية الصمود في ظل هذه «الفوضى»، وهو الذي سيمنح الإدارة الأميركية وبعض الحكومات الأوروبية إمكانية وجود أكبر وأكثر فاعلية، وكي يساهم أخيراً في تدخلها المباشر في خرائط المنطقة وبالتالي في إمكانية نهبها بالطريقة الأفضل!.
هل اكتملت معادلة «الفوضى الخلاقة» من خلال هذا التقارب بين «داعش» و«بوكو حرام»، نعتقد أنّ المنطقة تُدفع دفعاً شديداً باتجاه أن تكون كذلك من أجل إمكانية السيطرة عليها من خلال تكلفة بسيطة جداً!.


0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل