Friday, March 13, 2015

مصدر عسكري يكشف خارطة اوضاع الميدان العسكري في سوري

شكّل الشمال السوري المفتوح على الحدود التركية منذ بداية الأحداث في سوريا، نقطة ارتكاز رئيسية في الحرب، ومركز إدارة عمليات وتحكم بمعارك عديدة في سوريا، خصوصاً مع استمرار دخول المقاتلين، وتدفق السلاح، سواء من القوى الغربية والخليجية الداعمة للفصائل المسلحة، أو من «الجمعيات» ورجال الأعمال الباحثين عن موطأ قدم لهم لقطف ثمار الحرب، أو بدوافع دينية إيديولوجية بحتة.
وخرج الريف الشمالي عن سيطرة الحكومة في الأشهر الأولى للأحداث، بشكل متتالٍ. وتمثلت نقطة الفصل بخروج مدينة اعزاز الحدودية مع تركيا، والتي تحوّلت في ما بعد «إمارة إسلامية»، تتزعّمها في الوقت الحالي «جبهة النصرة»، فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا، والذي يتمتع بعلاقات «طيبة» مع الجارة تركيا، ويقوم بتنظيم العمل على الحدود.
معارك عديدة اشتعل بها الريف الحلبي، ليسقط بشكل متسارع بيد الفصائل المسلحة، والتي كان يتزعمها بداية الأحداث «لواء التوحيد»، الذراع العسكرية لجماعة «الإخوان المسلمين»، والذي اقتحم مدينة حلب وتمكّن، في تموز العام 2013، بمؤازرة فصائل أخرى، من السيطرة على نصفها الشمالي الشرقي، بالتزامن مع اشتعال المناطق الغربية الجنوبية من حلب.
ومع اشتداد الحصار والسقوط التدريجي للنقاط الحكومية، ظهر أن عاصمة سوريا الاقتصادية ساقطة لا محالة، بعد أن سقطت معاملها (المدينة الصناعية)، ووضعت نحو نصف سكانها (أكثر من 1.5 مليون نسمة بحسب مصادر إغاثية) تحت ضغط النزوح، أو الاستسلام لأحكام الفصائل التي بدأ التشدد يطرأ على سلوكها بشكل متواتر.
وفي وقت كانت تصول وتجول فيه الفصائل المسلحة في الشمال، شكل سقوط غالبية محافظة الرقة بيد الفصائل المسلحة في آب العام 2013 خرقاً كبيراً في المشهد الميداني، فالمحافظة ذات الحدود الواسعة مع تركيا شكلت أيضاً نقطة ارتكاز للعمليات المسلحة في الشمال، تصول وتجول فيه الفصائل المسلحة، على مختلف توجهاتها وارتباطاتها، وسط حالة «شلل للنظام»، وفق تعبير مصدر معارض، فـ «النظام كان محاصراً في مدينة حلب، ومعزولاً في إدلب، وغير موجود بالمرّة في الرقة»، إلا أن العام 2014 حمل متغيّرات جديدة، وتغيّراً كبيراً في الخريطة الميدانية.
وساهم النمو المتزايد للجماعات «الجهادية»، وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، الذي فرض سيطرته على الرقة بداية العام 2014، وتمدده في الشمال الشرقي لحلب، وصراعه مع الفصائل الأخرى، بشكل كبير في انحراف المجريات الميدانية، بالتوازي مع عملية عسكرية واسعة بدأها الجيش السوري تؤازره فصائل أخرى، حيث انطلق من ريف حماه وسط سوريا، وتمكّن من اختراق الريف الشرقي لحلب، وسيطر على مدينة السفيرة، ومنها فك حصاراً خانقاً كان مفروضاً على حلب، كما التف نحو الريف الجنوبي والشمالي، وحصّن قواته في المنطقة الغربية، محولاً حلب الى ما يشبه الحصن المنيع، وأصبح الحصار، الذي كان مفروضاً على المدينة، قاب قوسين أو أدنى من الانقلاب، وحشر المسلحين في زاوية حلب الشمالية الشرقية.
وأشار مصدر قيادي عسكري، خلال حديثه إلى «السفير»، إلى أن الخريطة الميدانية في حلب، بعد أربع سنوات من الحرب، تشير إلى أن الجيش استعاد تموضعه وحجز مساحة استراتيجية مهمة، خصوصاً أنه غيّر من تكتيكه، وأصبح أكثر قدرة على خوض حرب العصابات، وهو ما يتقاطع مع حديث مصدر معارض رأى أن «المعارك التي تجري في الوقت الحالي في ريف حلب الشمالي، ورغم ضراوتها، توضح قدرة النظام على حشد قواته من جديد، والقاعدة الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها في مناطق سيطرته، في وقت لا يُخفي فيه سكان المناطق، التي تتقاسم الفصائل المسلحة السيطرة عليها، ضيقهم من أحكامها العصاباتية، أو شرائعهم ذات الغطاء السماوي»، وهو ما ظهر في خروج تظاهرات عديدة في مدينة حلب ذاتها، أو حتى في بعض مناطق الريف، الأمر الذي قد يشكل مؤشراً على مدى وجود حاضنة شعبية للدولة السورية، التي فشلت كل بدائلها على الأرض.
حمص النموذج
وشكلت محافظة حمص، منذ اشتعال ميادينها في الأشهر الأولى من الأحداث السورية، حالة فريدة، حيث ارتفعت فيها عمليات القتل والتفجيرات، وملأت الدماء شوارعها، إلا أنها وفي العام الرابع يبدو أنها تجاوزت ما مضى، وتقدّمت خطوات نحو العودة إلى الحياة، معلنة نفسها «مدينة آمنة»، إلا من حي واحد، وهو الوعر، وذلك رغم المحاولات العديدة التي جرت لتحويل المدينة المتصلة عبر ريفها بلبنان، وتتوسّط سوريا، قاعدة انطلاق للعمليات العسكرية.
«عاصمة الثورة»، كما كان يحب المعارضون تسميتها، تبدو في الوقت الحالي «عاصمة للمقاتلين المؤيدين للحكومة»، والذين تمّ تنظيمهم تحت غطاء «الدفاع الوطني»، ما شكل قوة ضاربة تمكنت من فرط عقد المسلحين، ابتداء من بابا عمرو، وصولاً إلى الحدود مع لبنان، وليس انتهاء بحمص القديمة، الحي الأكثر تعقيداً في حمص، والذي مثلت خسارته «ضربة قاصمة» للمسلحين في المدينة، الأمر الذي دفع المهتمين بالشأن العسكري والميداني لإطلاق مصطلح «سيناريو حمص» كاصطلاح على خطة حكومية تقضي بفرض حصار على المسلحين من إجل إجبارهم على مغادرة المنطقة وتسليمها إلى الحكومة من دون خسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الحكومية، وهو ما تمّ تطبيقه في مواقع أخرى من سوريا، ويجري العمل على تطبيقه في حلب.
وتعيش مدينة حمص اليوم حياة شبه هادئة، تسمع فيها بين حين وآخر أصوات اشتباكات عرضية آتية من محيط حي الوعر، المعقل الأخير للفصائل المسلحة، والذي يستعدّ المسلحون فيه للخروج في وقت «ليس ببعيد»، وفق مصدر من الهيئة التي تتوسط بين الفصائل الموجودة داخله والحكومة، في وقت يشكل فيه الجيش السوري والفصائل التي تؤازره طوقاً يحصن المدينة ويعزل المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة عن المناطق الحكومية (في الرستن وتلبيسة والدار الكبيرة...).
وإلى جانب تحول الحالة الحمصية إلى نموذج، تشكل المحافظة الأكبر في سوريا، والتي تتصل صحراؤها بالعراق، وجبالها وأحراجها بلبنان من الجهة الأخرى، وتشكل محور الثقل الحكومي السوري نقطة ربط استراتيجية، الخزان النفطي الآمن الوحيد المتبقي في سوريا بعد خسارة الشرق النفطي (دير الزور والرقة)، وخروج تلك الآبار عن سيطرة الحكومة، وخضوعها لسيطرة «داعش».
وتعتبر الحكومة هذا الأمر «خطاً أحمر»، حيث استرجعت لمرتين متتاليتين حقل الشاعر للغاز، وأعادته للعمل، كما تتقدم القوات السورية لاسترجاع البئر الذي يحمل اسم 105 في العمق الذي يسيطر عليه مسلحو «داعش»، لما له من أهمية كبيرة في توفير الوقود لسوريا.
الساحل و «تأمين المؤمّن»
لم تشكل الأحداث في المناطق الساحلية في سوريا، اللاذقية تحديداً، أي تغير كبير في الخريطة الميدانية، فرغم وقوع خروق أمنية وبعض المواجهات في الشهور الأولى للأزمة في سوريا قبل أربع سنوات، لم تخرج هذه الأحداث عن بوتقة «السلعة الإعلامية»، لتبقى مدينة اللاذقية حصناً منيعاً، ومستوعباً عدداً كبيراً من حركات النزوح من مناطق سيطرة المسلحين.
ورغم حالة الأمان الكبيرة في اللاذقية، فإن ريفها الشمالي، الممتدّ حتى لواء اسكندرون السوري الذي تحتله تركيا، يشكل أحد أبرز معاقل المسلحين، ومركزاً مهماً لإدارة العمليات على طول الحدود مع تركيا، إضافة إلى المجازر التي شهدتها بعض قرى الريف الشمالي في آب العام 2013، والتي كان الهدف منها إشعال فتنة طائفية وإعادة رسم خريطة المنطقة ديموغرافياً، وهو ما فشل رغم المجازر التي وقعت.
الآن وبعد أربع سنوات من بدء الحرب يبدو أن القيادة السورية وجدت أنه قد حان الوقت لتوسيع الطوق في محيط المدينة، وزيادة حشر المسلحين في الريف الشمالي، عن طريق عملية عسكرية، بدأها الجيش قبل نحو 10 أيام وتمكن خلالها من السيطرة على نقاط استراتيجية، وإحداث اختراق في بلدة سلمى المعقل الرئيسي للفصائل المسلحة في المنطقة الجبلية شديدة الوعورة.
السفير


0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل